بسمة السيوفي

«خائفة من شيء ما»

الثلاثاء - 13 فبراير 2024

Tue - 13 Feb 2024

قلبك يقفز للحنجرة.. الفراشات ترفرف في صدرك.. قطرات الماء المالحة تتدحرج على جبينك.. أنفاسك أعمق بعمق خوفك.. ذاك الشعور بالرهبة أو القلق من شيء ما.. جسدك ينبهك لشيء ما فتظهر العوارض.. بينما دماغك لا يتألم بذاته حرفيا.

العديد من الثقافات تربط طباع الجبن أو الشجاعة بالقلب أكثر من ارتباطها بالعقل.. لكن الدراسات العلمية تقول إن الدماغ هو مكان ولادة الخوف والقلق وموطن علاجه وهو من يحدد ردود أفعالنا.. هل نقف متفرجين أم نهاجم أو نهرب؟!.

الخوف وحده هو ما يجب أن نخاف منه، فأول الابتلاءات من الله هو الخوف {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص في..} البقرة 155.

ودعونا نبدأ بالقول إن ما يحرك البشر في هذا العالم هي 4 مخاوف، «أولها الخوف من فقد عزيز، صديق، ملكية، عمل، وضعية اجتماعية، أو وطن.

وثانيها: الهجران.. خوف المرء من أن يهجر ويترك، من انتهاء المحبة التي كان يلقاها، ومن أن يجد نفسه مريضا، وحيدا، بلا سند خاصة إذا طال به العمر.

أما الخوف الثالث الذي يحركنا فهو التشوه.. خوف المرء من التعرض لجرح أو حادث أو اعتداء يقعده دون حراك. وأخيرا المذلة.. الخوف من أن يكون المرء محل سخرية وازدراء وإذلال».

ويلاحظ في المخاوف ارتباطها بالعلاقات، علاقة الفرد بذاته، وعلاقته بغيره، وهي في الغالب علاقات أخلاقية واجتماعية وتموضعية تصنع نسيج وجودنا، وحياتنا على هذه الأرض، ما «يعني في النهاية أنه خوف موحد، هو الخوف من الموت، إذا اعتبرنا أن الموت لا يعني فقط التواري والغياب، وإنما أيضا تقلص قوة النشاط.. ورؤية الحياة بما تحويه من محبة وصداقة ومعارف تنقص بعد التمام ثم تضعف وتتوارى»..

فأصل كل المخاوف ومصدرها الأول هو الخوف من الموت.. البعد المأتمي في تحمل فكرة أننا موجودون على هذه الأرض مؤقتا.. الوجود العرضي الذي يجسد فكرة الفناء.. كما قال الفيلسوف الفرنسي ديريدا.

«خائفة من شيء ما» هو عنوان لفيلم مصري قديم شاهدته بالصدفة.. يحكي عن طبيب فاسد يختطف طالبات الجامعة ويخدرهن ثم يغتصبهن، وعندما يخطف بطلة الفيلم ويتأهب لهتك عرضها.. يفاجأ بلص الشقق الذي دخل بيته ليلقيه أرضا ويتعارك معه حتى يقتله، الشاهد أن الخوف كان محرك تعاطف الضحية مع لص البيوت وليس المختطف؛ لأنه أنقذ حياتها.. فشهدت في المحكمة لصالحه.

المضحك في القصة أني كنت أتخيل أني سأختطف من الجامعة يوما ما، وأن العالم ليس آمنا بالكامل.. كان مثيرا بسبب هذا الخوف أن أطور مهارات الانتباه للمحيط حولي بعين فاحصة، أن أنتبه للسيارات والأفراد والطرقات في المحيط القريب؛ فزادت الثقة مع الوقت إلى أن تقلصت تلك الرهبة.. لدرجة أني الآن قد أمشي في طريق يخلو من البشر تماما بعد قراءة المعوذات، السيناريو الأسوأ للخوف والقلق هي المخاوف التي تصنعها أوهامنا ووساوسنا.. المخاوف التي تتوالد كالأرانب المشوهة لتتقافز أمامنا دون أن نفهم أو نحاول المواجهة.

هناك مخاوف عقلانية يمكن مواجهتها، وهناك مخاوف تتولد نتاج صدمة حدثت منذ فترة طويلة، هناك من يرهب المرتفعات، الطيران، المصاعد، أو الأماكن المغلقة، وهناك من يخاف الثعابين والعناكب والحشرات، هناك من يخشى الكلاب أو الفئران وحتى الرعد والبرق، والحروب أو التهديدات الإرهابية..

لذلك هناك خوف طبيعي وله رد فعل طبيعي يحدث نتيجة تعرض الفرد لمواقف خطرة، وهناك خوف مرضي يؤثر سلبا ويتسبب في انخفاض مستوى السعادة والرضا الشخصي، لكن أيا كان السبب فإن الكثير من الناس يعانون الخوف بدرجات وأشكال مختلفة.

أغلب المخاوف تنبع من غريزة البشر الطبيعية للحفاظ على الذات، وتتأثر بالتجارب السابقة والخلفية الثقافية وسمات الشخصية الفردية.

نحن نخاف عدم التمكن من تحقيق أهدافنا أو الهزيمة أمام إحباط توقعاتنا الشخصية أو توقعات الآخرين، نخاف الرفض الاجتماعي وردود الفعل السلبية التي قد تجرنا إلى العزلة.

هو شعور سلبي لكنه ليس سلبيا بالكامل.. فنحن نخاف من الملموس أو المحسوس.. من الخوف ذاته الذي يزيد البشر عبودية واتكالية وانعزالا.. نحن «نتشبث بالخوف أحيانا عندما نريد أن نحتفظ بأقصى درجات الأمان».. لكننا بالتأكيد دون الخوف لن نمتلك التركيز أو السرعة أو الطاقة لاتخاذ رد فعل مناسب تجاه الأحداث التي تواجهنا.

الحقيقة أن مفهوم الخوف واسع جدا، فهو يتعلم من خلال التجارب السلبية التي تمر بالإنسان خاصة في طفولته، هو مكتسب لكن قد تتوفر عند البعض قابلية وراثية له..

نتيجة تعاطيهم الشخصي مع الأحداث أو المواقف أو مشاهدة ردود الفعل المفرطة لدى الغير؛ فإن تعرفنا على مصدر الخوف وأسبابه وحللنا تأثيره على حياتنا، ثم حصلنا على الدعم العاطفي من الأصدقاء أو الأقارب، ومارسنا أسلوب تحويل الأفكار السلبية إلى أفكار إيجابية دون إنكار لمشاعرنا.. بل التأقلم معها من أجل التغلب عليها.. فإنا بذلك نطبق استراتيجيات التعامل مع الخوف والتحكم في تأثيره.. فننمو ونتطور.

يقول لارس سفيندسون في كتابه فلسفة الخوف «الخوف باق أبد الدهر.. المرء يمكن أن يغير معتقداته عن الحب والكراهية والإيمان، بيد أنه لا يستطيع التخلص من الخوف ما دام متمسكا بالحياة.. ذاك الخوف الحاذق الرهيب والعصي على التدمير الذي يتغلغل في كيانه، ويشوب أفكاره، ويتربص بفؤاده، ويراقب كيف تعتلج شفتاه وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة».

ويا أمان الخائفين.

smileofswords@