عبدالحليم البراك

من أجل الجدل!

الاثنين - 12 فبراير 2024

Mon - 12 Feb 2024

لقد أظهرت الأزمة الإسرائيلية الفلسطينية، وعبر الحوارات الضخمة عبر وسائل الإعلام والإعلام الجديد أهمية الجدل للجدل، وأهمية الحوار للحوار أحيانا، وأقول الجدل للجدل؛ لأن كلا الفريقين متمسك برأيه الوطني والقومي وليس متمسكا بالحق!

وأهمية تلك التمارين الجدلية التي تكون دوافعها قومية أو وطنية ليست خاضعة بالضرورة للحق، بل تخضع بالضرورة للمصلحة الوطنية والقومية ومصالح الشعوب الخاصة، وتضطلع بالدفاع عن مكتسبات أوطانها وشعوبها من خلال حضورها الإعلامي، وربما مصالح شخصية أحيانا، مستشعرة دور الإعلام والإعلام الجديد في التأثير على التحولات الفكرية والآراء لدى الشعوب الأخرى والمتلقي الآخر، وحتى الحكومات بناء على طرق العرض والمنطق والحجج والذكاء والمعلومات التاريخية والفكرية والإعداد العلمي الجيد والممارسة المهنية للحوارات الإعلامية، لتوضح موقفها أمام شعوبها دافعي الضرائب كما في حالة أعضاء حكومة الولايات المتحدة والمدافعين عنها!

وحتى نصل لهذه المرحلة أعتقد أننا بحاجة لتدريبات جدلية حوارية إعلامية ذات تجربة عميقة تحمل في طياتها دراسة للمنطق، والمغالطات المنطقية والجدل، وكذلك علم النفس وعلم الاجتماع المتعلقة بآراء الأفراد وثقافة الجماهير، وتدرس التحولات التاريخية وتوظف المعطيات المحلية والعالمية لجذب الانتباه نحو قضيتنا أو الدفاع عن تلك الاتهامات التي تطالنا، أو تبرير مواقفنا بطريقة تقوي موقفنا أمام العالم، ذلك الجمهور الذي يقف خلف وسائل الإعلام ويمشي خلف من يقنعه أكثر ومن يستخدم أدواته أكثر يوظفها لصالحه بطريقة احترافية وصوته أسمع!

ليس هذا فحسب، عندما تطرأ قضية جديدة قد تخصنا، يهب أبناؤنا للدفاع عنها لكن ونظرا لعدة أسباب مثل: عدم التخصص أحيانا، وعدم الاحترافية أحيانا أخرى، ويغيب عن ذهن المتحدث الجوانب التاريخية ومصادرها وأحيانا مختلفة قد يفقد المتحدث أساليب مكافحة المغالطات المنطقية أو توظيفها لصالحه وعدة أمور أخرى، يبدو موقفنا ضعيفا أحيانا.

لذلك فإن الاستعداد للأمر من الآن من خلال إنشاء دورات متخصصة ومعاهد إعلامية وكورسات جدلية وورش عمل تداولية مع تطبيقات تلك المهارات وتجربتها حتى تنطلق ثلة من المتدربين إلى فضاء الإعلام يدافعون عن قضايانا بطريقة احترافية تدعمهم مكتبة من المصادر العلمية القوية والإعداد الجيد من خلال ملفات معدة مسبقا!

استطاع العالم الغربي وقوى أخرى إظهار موقفهم أقوى على مستوى الإعلام وأمام الشعوب بسبب حضورهم الإعلامي الجيد المدعوم بحضور جدلي رائع تحقق لهم ذلك من خلال تجربة عريضة مع وسائل الإعلام وسلسلة تدريبات طويلة (مقصودة أو غير مقصودة) جعلت موقفهم أقوى بينما حضرت فئات أخرى معها الحق من الناحية العلمية أو التاريخية لكنها بسبب صوتها المبحوح وحضورها الهزيل وتدريبها السطحي بدت أقل حظا في القبول بين الناس بسبب استعداداتها الرديئة.

والحاجة لهذا الحضور – للأسف – أحيانا تأتي فجأة ولا تستأذنك، بل تباغتك في الوقت والجهد والمادة فتصبح عملية الاستعداد لها مضيعة للوقت والجهد لا طائل منه، لأننا ضيعنا ساعات الرخاء بعد الاستعداد.

تتضمن هذه الدورات وورش العمل والتأهيل معاهد إعلامية لتخصصات مختلفة سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية بل ورياضية وكل نوع من أنواع الحضور الإعلامي التقليدي والجديد ومواقع السوشل ميديا؛ لتكون خطا للدفاع الإعلامي الوطني القادر على الحضور بكل ثقة وفي كل وقت لتحقيق أهداف الوطن.

كما تتضمن مواد إعلامية متخصصة في الحديث والحوار وعلم النفس في التعامل مع الآخر بهدف تحقيق أعلى المكاسب وتجنيب الوطن والمواطن أكبر الخسائر التي ممكن أن تلحق بهم.

أثبتت التجربة أن الحضور الإعلامي جزء من منظومة الدفاع الوطني والقومي لا يقل هو الآخر عن الأدوات الأخرى، لذلك تبدو الحاجة بالاستعداد له لا تقل عن حاجتنا للاستعداد عن الأمور تلك، ويجب أن نؤكد بأن بعض القضايا العادلة تخسر مواقفها الحقة بسبب ضعف في الدفاع عنها أو استخدام أساليب سلبية أو أعمال مبنية على اجتهادات شخصية وليست مؤسسية ممنهجة.

Halemalbaarrak@