بشرى فيصل السباعي

دكتاتورية الرأي العام الرائج

الاثنين - 12 فبراير 2024

Mon - 12 Feb 2024

من كان يصدق أن الغرب يمكن أن يشتكي يوما من قمع حرية التفكير والتعبير، لكن هذا بات واقع الغرب حاليا، والكل فيه يشتكي من القمع الحاد لحرية التفكير والتعبير، ومن يفرض هذا القمع هو الرأي العام الرائج، حيث بسبب مراعاة الرأي العام الذي تروجه جماعات الضغط وشركات العلاقات العامة والدعاية ووسائل الإعلام والمشاهير وحسابات المؤثرين في مواقع التواصل ومن يتملقهم ومن يريد إثبات أنه شخص جيد بالتعصب لمضمون هذا الرأي العام الرائج بات لا يمكن لأحد التعبير برأي يخالف الرأي العام دون أن تتدمر حياته ويضيع مستقبله ويفصل من وظيفته، وتلغى حساباته من مواقع التواصل وتمنع مشاركاته في عموم الإنترنت، وتشن عليه حملة تدمير نفسي واجتماعي من رواد مواقع التواصل ومن يتملقهم من مشاهير وإعلاميين مبتذلين.

وكان من نتيجة ذلك عزوف حتى الخبراء عن إبداء رأيهم العلمي في قضايا يجب ألا تخضع لمزاج الرأي العام مثل رأي الأطباء في عمليات تحويل الجنس للأطفال الطبيعيين وكامل أجندة تشجيع الشذوذ لدى الصغار، ومن أبدى رأيه الطبي ضدها بحكم تخصصه أقيمت عليه حملة تدمير سمعة وتم فصله من عمله وشيطنته بمواقع التواصل.

الفيلم الوثائقي الأمريكي الصادم الذي أحدث ضجة «What Is a Woman - ما هي المرأة؟» أظهر حقيقة قمع الرأي العام الرائج للرأي العلمي والطبي؛ فالمقدم قام بسؤال العاملين بالمجال الطبي بتخصصاتهم العضوية والنفسية المختلفة عن تعريفهم للمرأة؟ فلم يجب أحد على السؤال، لأن إجابتهم تعني أن يتعرضوا لحملة مدمرة بمواقع التواصل والإعلام والصحافة تشيطنهم بتهمة معاداة أجندة الشذوذ حتى تضطر جهات عملهم لفصلهم وتتدمر حياتهم بالكامل إن ردوا بالجواب العلمي؛ وهو أن المرأة هي التي لديها جهاز تناسلي أنثوي؛ لأن هذا يوحي بأن الشاذين المتشبهين بالنساء والمتحولين ليسوا نساء حقيقيات، وهذا من أفدح الجرائم وفق أجندة تطبيع الشذوذ، وبعضهم سحبت منه رتب تكريم كانت ممنوحة له على إنجازاته العلمية والعملية وحرمت البشرية من علمه وعمله لأنه فقط لم يوافق دكتاتورية الرأي العام الرائج.

وصل الأمر حتى لجعل رجال الدين يخافون من قول الرأي الديني القطعي في أديانهم من القضايا التي تبنى الرأي العام الرائج قناعات مخالفة للدين فيها كما في قضية الشذوذ، حيث هناك نصوص مباشرة باليهودية والمسيحية تحرمه لكن لا يوجد رجل دين يجرؤ على قول ذلك خوفا من ردة فعل الرأي العام الكاسحة عليه، ومن صرح حتى بمجلس خاص بالرأي الديني الذي يمليه عليه معتقده تم عزله عن وظيفته الدينية رغم أنه مترهبن لأجلها، وتمت إقامة حملة شيطنة له بمواقع التواصل والصحافة والإعلام المتملق.

دكتاتورية الرأي العام الرائج وصلت لدرجة ابتزاز الأفراد والشركات لإجبارهم على مقاطعة المناسبات العامة المقامة في بلدان لم تنصع لدكتاتورية الرأي العام الرائج في الغرب في قضية الترويج للشذوذ وهذا تسبب في خسائر اقتصادية فادحة لتلك البلدان وللشركات الأجنبية، ووراء كل هذة الدكتاتورية مصطلح غربي هو «virtue signalling-إرسال إشارات الصلاح» ويعني إثبات الشخص أنه جيد وصالح بموافقته للرأي العام الرائج وهذا أدى لما يسمونها «Cancel culture - ثقافة الإلغاء».

ولكي يثبت الشخص أنه أكثر صلاحا من غيره يظهر شدة التعصب في فرض بنود الرأي العام الرائج والشراسة المدمرة لأي شخص لا يتوافق معها، ويتملق بذلك المكانة والاحترام والإطراء من الرأي العام، وبسبب هذا الأمر فقد الغرب والعالم حرية التفكير والتعبير التي كان الإنترنت يتيحها للجميع؛ لأن غالب الإنترنت يدار من قبل جهات غربية مجبرة على الانصياع لدكتاتورية الرأي العام الرائج في الغرب.

الملياردير إيلون ماسك عندما اشترى تويتر قال «إن غايته تحرير منصته من دكتاتورية الرأي العام الرائج، وعندما حاول تطبيق ذلك وأيد تغريدة مضادة للوبي الصهيوني وجد نفسه مدانا بمعاداة السامية ومجبرا على القيام بإجراءات التملق العلني المبتذل للصهيونية لمسح وصمة معاداة السامية ومقاطعة الشركات لمنصته التي أدت لخسائر فادحة وبهذا ثبت أنه لم يستطع تحرير نفسه ولا منصته من دكتاتورية الرأي العام الرائج، وهذا يؤشر لانحطاط خطير في الثقافة العامة الغربية وقيمها المثالية التي كانت قد جعلتها الثقافة السائدة عالميا التي يطمح الجميع للتشبه بها وتقليدها.