فهد عبدالله

إدارة أزمة فوكوشيما

الاحد - 11 فبراير 2024

Sun - 11 Feb 2024

الكثير من الرسائل والتغذية الراجعة التي تنامت بعد المقال السابق حول نفس الموضوع تشيد بالملاحظات وتدير النقاش حولها وإسقاطاتها في الواقع العملي وكيف يمكن الاستفادة منها في تعزيز مفهوم المرونة التنظيمية تجاه الأحداث والكوارث الكبرى إذا حدثت لا سمح الله، الزميل المهندس خالد العامودي أحد المتخصصين بالمجال كان له طلب بأن يكون هناك تتمة للمقال بذكر بقية الملاحظات والدروس المستفادة الـ35 ، والتي لم يستوعب المقال السابق منها إلا أهم سبع ملاحظات وأقول له حبا وكرامة، وسأذكر ما يستوعبه المقال الثاني وأعتقد أنها لن تتجاوز الخمس ملاحظات.

8 - في المسلسل هناك مشهد يتحدث عن أنه لحسن الحظ بأنهم أقاموا تجربة إخلاء قبل فترة بسيطة، وبالنسبة لي هذا المشهد رغم أنه أتى بشكل سريع وكأنه هامشي ولكنه في الحقيقة التقاطه فنية إدارية أعتقد أنها مهمة جدا للعاملين في هذا المجال مفهوم اختزال التدريبات والتمارين على إدارة الحالات الطارئة والكوارث من خلال تجارب الإخلاء فقط كما يحدث في كثير من المنظمات بمختلف أحجامها يبدو لي أنه ظاهرة عابرة للثقافات التنظيمية وهو يعبر حقيقة عن المحدودية في النظر لضرورة كثرة التدريبات وتنوعها بالإضافة للأولويات التدريبية على مختلف السيناريوهات التي ترتبط بمخاطر المنظمة.

9 - كانت هناك حلول إبداعية وخارج الصندوق سواء من قائد الحدث بالمحطة أو القائد التشغيلي داخل غرفة التحكم ولكنها تبقى جهود فردية غير مؤسسية، كاستخدام بطاريات السيارات في تشغيل مؤشرات الضغط ومستوى الإشعاع، وهذا يقودنا إلى أهمية تحديد أفضل الخبراء الفنيين في المنظمة مسبقا ووضعهم ضمن إطار تنظيمي في إدارة الحدث حتى يتمكنوا من قولبة الخبرات والتراكم الفني لديهم في صبغ الحلول الممكنة للخروج من العوائق والصعوبات الفنية نحو الخروج من الكارثة.

10 - الوكالة العالمية للطاقة الذرية قبل سنتين من الحادثة أعربت عن قلقها من أن المفاعلات اليابانية مصممة فقط لتحمل هزات بقوة 7.0 درجات، وفقا لبرقية دبلوماسية أمريكية في ديسمبر 2008 حسبما ذكرت صحيفة تلغراف البريطانية، وأدلة السلامة من الزلازل القديمة قد عفا عليها الزمن وتمت مراجعتها ثلاث مرات فقط في السنوات الـ 53 الماضية.

اكتفت حكومة اليابان ببناء مركز استجابة للطوارئ في موقع فوكوشيما ولم تنظر في خطر تصميم المحطة الذي يتحمل فقط زلزال بقوة سبع درجات، تفاعلوا مع الخطر بإجراءات التخفيف (Mitigation) وليس الإزالة (Elimination) أو العزل (Isolation) رغم أن الأثر المترتب يتناثر على جميع مفاصل اليابان والحاجة ماسة لإجراءات أكثر من التخفيف.

الكثير من المنظمات تضع شعار السلامة أولا وإن كنت أرى بعدم صوابتيه وليس هذا موضوعنا الآن، وفي أفضل الأحوال يعبر عن أن السلامة لابد لها أن تكون في خط متواز مع الإنتاج، تنامى لدي اعتقاد أن التنفيذين في كثير من الأحيان شعارهم أهلا بالسلامة وأهلا بها أن تكون أولا وعند أول نقطة تعارض للسلامة مع الاستثمار والإنتاج تقدم الربحية على بقية المفردات الأخرى رغم أن سلامة العمليات هي المفردة رقم واحد في مفهوم الربحية والاستثمار لو كانوا يعملون.

11 - عدم رصد الخطر في السابق كما تحدثنا عنه في المقال الأول، سيكون من باب أولى بأن خطط الاستجابة المسبقة لم تكن ملائمة وفاعلة فضلا عن هل يوجد خطط تعافي قريبة ومتوسطة وبعيدة المدى، بعد الانتهاء من الاستجابة للكارثة أعلنت اليابان أنها تريد تصريف المياه المستخدمة في تبريد المفاعلات إلى مياه المحيط الهادئ، والذي سيستغرق عامين، مما أثار مخاوف الدول المجاورة مثل الصين وكوريا الجنوبية، رغم الحديث عن تصريف آمن للمياه.

والمخاوف تدور حول الثروة السمكية وتلويث البيئة البحرية المحيطة بالدول المجاورة مستقبلا.

الخلاصة لا يوجد خطط تعافي مسبقة فضلا عن خطط تعافي مع الدول المجاورة في حالة كان الخطر يندرج تحت تصنيف الأخطار المشتركة.

وهذا يدعو للتأمل والاستعبار.

12 - التحالفات والاتفاقيات (Mutual Aid Agreements) المسبقة لشركة اليابان الكهربائية مع بقية مكونات المنظمات الأخرى لم تكن ناضجة إلى الحد الذي يرتقي لحجم المخاطر الموجودة ويظهر جليا في عدم المعرفة لتقدير الموارد التي يمكن استخدامها من الجهات الأخرى بالإضافة لانتظار المبادرات من الجهات الأخرى لقبولها للدخول في حيز المساعدة.

هذه خمس دروس مستفادة أخرى للمسلسل الرائع (الأيام) والملاحظات والدروس كثيرة جدا ولكن نكتفي بهذه الملاحظات التي تمس الجوانب الاستراتيجية والكلية لمنظومة الطوارئ أكثر من الجوانب الفنية التقنية الصرفة.

أرجو أن يكون فيها الإضافة والنفع.

fahdabdullahz@