علي المطوع

صلابة الموقف السعودي من التطبيع

السبت - 10 فبراير 2024

Sat - 10 Feb 2024

ما زالت إسرائيل ترفض الحق الفلسطيني في الوجود، وما زال غالب التيارات السياسية فيها ترى في الفلسطينيين عقبة وجودية ينبغي إزالتها؛ لتحيا إسرائيل ولتمتد من النيل إلى الفرات، كما هو راسخ في المخيال اليهودي المتطرف، حسب نبوءات بعض مفكريها!.

هذه العقلية الإسرائيلية؛ حكما، لا تنظر للسلام كخيار وجودي يضمن لها البقاء، وإن أجبرتها بعض المراحل على نقاشه، فهو يظل في خانة الحركات التكتيكية والمناورات السياسية لكسب الوقت، وإيهام العالم برغبة هذا الكيان العنصري في السلام ولا شيء غيره!

أحداث غزة الأخيرة، ورغم مأساويتها وشدة وقعها على المدنيين الفلسطينيين، إلا أنها قد أعادت القضية الفلسطينية إلى الطاولة من جديد، معززة بمفاهيم سياسية جديدة، وواقع حياتي مستجد، يثبت أن إسرائيل في ظل تعنتها المستمر، تظل في خطر وجودي حقيقي، شاهد ذلك هجمات السابع من أكتوبر وتلك الفجيعة التي أصابت الإنسان الإسرائيلي البسيط، كون وجوده وكيانه أصبحا أمام إرادة الفلسطيني شبه الأعزل، الذي أعاد تصوير وتعريف الحالة الأمنية الإسرائيلية وضعف أجهزتها الرقابية، التي لم تستطع التعامل مع تلك الهجمات الخاطفة، والتي كانت بدائية في شكلها وطريقة تنفيذها، وهذا ما رسخ لدى الإسرائيليين أنفسهم، هشاشة كيانهم وعدم مقدرته على التعاطي بفاعلية مع الخطر القادم من غزة تحديدا.

وفي ظل الإبادة الشاملة التي تمارسها إسرائيل في غزة، تهب الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة المتناقض بايدن، لدفع قطار التطبيع في الشرق الأوسط، وهذه المرة من السعودية تحديدا، كونها البلد الأكثر ثقلا واقتصادا واستقرارا في الشرق الأوسط، وهذا ما يجعل تطبيعها المنتظر في المخيالين الأمريكي والإسرائيلي، خطوة استراتيجية مهمة ستغير قواعد اللعبة في هذه المنطقة المتوترة دائما وأبدا.

الإدارة الأمريكية الحالية في هذه الفترة الحرجة من وجودها في البيت الأبيض، تحاول مستميتة الحصول على نصر سياسي يبيض صفحتها أمام مجموعات الضغط التي تشكل المشهد السياسي هناك، فالتطبيع في هذا التوقيت - تحديدا - بالمفهوم الأمريكي ليس بقصد السلام، بقدر ما هو ورقة سياسية إيجابية تضاف لفريق بايدن أمام ناخبيه، لتجعله في موقف أفضل في السباق الرئاسي القادم مع الجمهوريين، وهنا نتساءل كعرب: هل وصلت قضايا الشرق الأوسط إلى هذه الدرجة من التسليع ليصبح التطبيع مجرد ورقة انتخابية تحسن موقف هذا المرشح أو ذاك؟!

كل المؤشرات والشواهد والتاريخ القريب تقول، إن الشرق الأوسط وما دونه وما وراءه على الخريطة، كل ذلك يظل في العرف الأمريكي الراسخ منطقة نفوذ أمريكية، تؤثر وتتأثر بما يجري فيها، والإبادة الجماعية في غزة والهبة الغربية التي صاحبت العدوان الإسرائيلي على هذا القطاع، تؤكد أن الغرب يستميت في الدفاع عن إسرائيل ظالمة أو مظلومة، وأن الأحداث الأخيرة في غزة أثبتت أن قواعد اللعبة على الأرض ومتغيراتها الأخيرة تكمن في الخطر الوجودي، الذي يشعر به الغرب قبل أن تشعر به إسرائيل، وهذا ما يجعل خيارات السلام تتشكل وفقا للمصالح الداخلية الأمريكية والأخطار التي تلوح في الأفق الإسرائيلي وكيفية التعاطي معها، وفق القاعدة الثابتة، وهي أن إسرائيل كانت وستظل القاعدة المتقدمة للغرب في قلب الشرق، والتي ينبغي حمايتها بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة.

ومع ذلك، يظل الموقف السعودي الأصيل، المتجلي في بيان وزارة الخارجية السعودية الأخير والمنشور قبل أيام عدة، والذي شدد على ضرورة إيقاف حرب غزة أولا، وإعطاء الفلسطينيين كامل حقوقهم المشروعة، وأولها دولتهم المستقلة على حدود 1967م وعاصمتها القدس الشرقية، قبل أي محاولة للحديث عن التطبيع، ليظل هذا البيان موقفا سعوديا صلبا وراسخا يخدم المقاوم الفلسطيني على الأرض والمفاوض على الطاولة، ويعيد ترتيب الأوراق في الشرق الأوسط من جديد، وليس الجديد الذي يريده الغرب بهيمنة إسرائيلية مطلقة، متجاهلين تاريخ المنطقة وجغرافيتها وشعوبها الأصيلة، والتي ما زالت ترى في إسرائيل جسما غريبا، زرع في المنطقة خدمة للمصالح الغربية قبل أن يخدم اليهود كشعب وهوية، ما زالت أكثريته تعارض مشروع الدولة الصهيونية في فلسطين المحتلة.

alaseery2@