وليد الزامل

القواسم المشتركة بين المشهد السينمائي والحضري

السبت - 10 فبراير 2024

Sat - 10 Feb 2024

كان عنصر الإبهار في السينما يعتمد على مشاهد الصور المتحركة، ومع تطور التقنية ودخول الألوان أصبحت المشاهد السينمائية أقرب للحقيقة حتى بدأت الأفلام الملونة بالانتشار على نطاق واسع.

المشهد السينمائي هو صورة تتابعية تحكي قصة شمولية يتحقق نجاحها بتكامل كافة أبعادها بما في ذلك الممثلين، والإضاءة، والخلفية اللونية، وتصميم المكان، والصوت، والملابس والمكياج.

المشهد السينمائي هو عنصر بناء الفيلم، ويظل هيكل كل مشهد وأهدافه أمرا حاسما في نقل تجربة سينمائية مقنعة ومرضية للمشاهد.

ومع ذلك، فالعناصر البصرية في المشهد السينمائي ليست وحدها قادرة على نقل الرسالة والأهداف.

إن التركيز على بناء صورة بصرية مجردة بلا مضمون للمشهد السينمائي أمر في غاية السذاجة فبناء مشهد فريد يقتضي العمل على مجموعة من الأدوات بداية من تحليل أبعاد القصة، وإطارها الزمني، ومواءمة سيناريو الحوار، وتطوير الشخصية.

وبالمثل فالمشهد الحضري ليس مجرد صورة بصرية للمدينة؛ بل تكوين متسلسل للبيئة المبنية وعلاقتها بالنشاط الإنساني والذي يؤدي تجميعها إلى فهم هوية متكاملة للمدينة وثقافة المجتمع.

المشهد الحضري يترجم الصورة الذهنية للمدينة بكافة مكوناتها المادية بما فيها تنسيق المواقع، والساحات والفراغات العامة، ونظام النقل، والبيئة الطبيعية؛ والتي تتماهى مع المكونات غير المادية كالجانب الثقافي وأنماط الحياة، تتأثر جميع هذه العوامل بالجانب الإجرائي في المدينة.

إن تحسين المشهد الحضري للمدينة يقتضي فهما شموليا لمكونات المدينة المادية وغير المادية واستيعاب حقيقي للجوانب الإجرائية التي أسهمت في صناعة الأنساق الثقافية والبنية الفيزيقية.

علينا أولا أن نقرأ المشهد الحضري في المدينة قبل أن نقوم بتحسينه بما في ذلك فهم آليات صناعة القرار التنموي، وطبيعة المشاركة المجتمعية، وقوى السوق، وتقييم البنية التحتية، وفاعلية النقل العام والإسكان، والأطراف المؤثرة في المدينة.

هناك عدة قواسم مشتركة بين المشهد السينمائي والمشهد الحضري استيعابها وتطويرها كفيل للوصول الى إلى الغايات المنشودة، وتشمل:
أولا: الإطار المكاني، وهو عنصر أساسي في مشهد الفيلم، لأنه يوفر المساحة المادية التي تحدث فيها القصة.

يمكن أن يؤثر موقع المشهد على السياق الدرامي. وبالمثل فالإطار المكاني أمر هام في المشهد الحضري فهو الذي يوصل الرسالة البصرية من خلال العناصر والمفردات العمرانية ويؤثر في السياق الحضري.

ثانيا: العامل الزمني، وهو العنصر الذي يحدد الإطار السردي للقصة في المشهد السينمائي، حيث تدور المشاهد متتابعة في لحظات زمنية تؤثر على وتيرة الفيلم وإيقاعه.

وبالمثل فالعامل الزمني يربط بالإطار المكاني عند صناعة المشهد الحضري وفي صورة تتابعية تحكي قصة تسلسل أحداث المدينة بداية من وسط المدينة وحتى أحيائها الحديثة.

ثالثا: الشخصيات، ويقصد بها التفاعل والحوار الذي يقود إلى مشهد سينمائي يعبر عن المصداقية والأصالة.

وبالمثل فالشخصيات في المشهد الحضري تعبر عن فهمنا للمجتمع وفئاتهم واحتياجاتهم وتفاعلهم في المدينة.

رابعا: الأفعال، وهي الحركات والأنشطة الجسدية للشخصيات في المشهد السينمائي، وتستخدم الأفعال لخلق الإثارة فمشاهد القتل تختلف كليا عن المشاهد الرومانسية.

وبالمثل فالأفعال في المشهد الحضري تتمثل في نوعية الأنشطة الحضرية التي تقود إلى خلق أفعال لساكنيها بما في ذلك الأسواق، والوظائف، وبنية الاتصالات.

خامسا: المزاج، وهو النغمة العاطفية للمشهد السينمائي ويتأثر بعناصر مثل الإضاءة والصوت وحركة الكاميرا.

وبالمثل فالعلاقة بين التكوين العمراني والطبيعي والتفاعل الاجتماعي بما فيها الروائح والتلوث والازدحام المرورية تقود إلى خلق مزاج سلبي أو إيجابي حول المدينة.

في الختام، فإن تحسين المشهد الحضري يقتضي العمل على تحسين تفاعل المجتمع مع البيئة الحضرية وإدراك القيم الثقافية والإنسانية والتي تنطلق أولا من تحسين الإطار الإجرائي في تخطيط المدن.

waleed_zm@