خالد عمر حشوان

لا تستقل قبل إيجاد البديل

الأربعاء - 07 فبراير 2024

Wed - 07 Feb 2024

ما جعلني أفكر في الكتابة عن هذا الموضوع هو عدد الحالات التي مرت علي شخصيا لموظفين قاموا بالتسرع والاستقالة من وظائفهم دون وجود بديل؛ لعدة أسباب منها اختلافهم مع رؤسائهم أو عدم التقدير أو زيادة ضغط العمل أو زيادة المهام الموكلة إليهم أو تغيير مواقع عملهم في المنظمة، أو تأخر ترقياتهم أو الزيادة في رواتبهم أو عدم وجود أي تقدم مادي أو مهني لهم أو غير ذلك من الأسباب التي جعلتهم يتسرعون في اتخاذ هذا القرار قبل وجود عمل بديل ويفقدون مصدر دخلهم الوحيد واستقرارهم المادي ومناصبهم التي قد لا يجدون مثيلا لها، فيضطرون للبدء في مرحلة بحث لوظيفة جديدة، خاصة هذه الأيام التي أصبحت فيها الوظائف مقننة بسبب التطور والتكنولوجيا التي بدأت في إحداث تغييرات على تكلفة رأس المال مقابل العمالة وتكلفة المعاملات ووفرة الإنتاج وسرعة الابتكار، ولا ننكر أن للتطور والتكنولوجيا أيضا تأثيرا إيجابيا في توفير بعض الوظائف ولكن بمتطلبات خاصة جدا.

ما أود التركيز عليه في هذا المقال هو النصائح المهمة التي أرغب شخصيا تقديمها لهذه الفئة من الموظفين قبل التسرع في تقديم الاستقالة وترك وظيفة قد يصعب توفر بديل عنها، أو إيجاد وظيفة بنفس المستوى حيث إن البعض يقبل أحيانا بوظيفة أقل من التي كان يشغلها بسبب حاجته للعمل التي أرغم نفسه عليها، ومن هذه النصائح المهمة:

- تحديد أسباب الاستقالة، وحبذا أن يتم التأكد من أن الأسباب حقيقية ومنطقية وواضحة وألا تكون من واقع الخيال والأوهام حتى يكون الموظف صادقا وإيجابيا مع نفسه أولا ثم مع المنظمة التي يعمل بها ثانيا، وأخيرا لتكون حجة قوية للمنظمة التي ترغب في توظيفه بعد استقالته.

- إعادة قراءة بنود عقد العمل الحالي مع المنظمة، ومراجعتها جيدا للتأكد من عدم إغفال أي تفاصيل قانونية على الموظف عند الاستقالة كالشرط الجزائي عند ترك العمل قبل فترة معينة أو عدم العمل لدى شركات منافسة، حيث يفيد ذلك في معرفة كافة الحقوق القانونية والمستحقات المالية للموظف.

- حساب الدخل السنوي جيدا للوظيفة الحالية وليس الدخل الشهري مع كافة المميزات الخاصة بالوظيفة والبدلات والعلاقات الاجتماعية التي تتميز بها، قبل التفكير في الاستقالة ومقارنتها بدقة واهتمام بالوظيفة الجديدة إن وجدت.

- إبلاغ الرئيس المباشر عن نية تقديم الاستقالة حتى لو كان هو أحد الأسباب وعدم مفاجأته؛ لأنه قد يستطيع التغيير من تصرفاته أو مساعدة الموظف في إيجاد تقدم مادي أو معنوي أو نقله إلى إدارة أخرى قد تناسب قدراته وإمكانياته أو حل المشكلة بطريقة لا يتوقعها، أو عرض جاد لمحاولة إبقائه في المنظمة.

- البدء في البحث عن وظيفة بديلة تناسب الخطة الاستراتيجية التي يتم من خلالها تحقيق الأهداف المطلوبة للموظف قبل تقديم الاستقالة لأن الموظف الذي يكون على رأس العمل غالبا ما تكون له قيمة أكبر ورغبة أكثر من الموظف المستقيل.

- تحديد ومعرفة بداية العمل في الوظيفة الجديدة وكم ستكون فترة التوقف بين الاستقالة وبداية العمل في الوظيفة الجديدة وكيف يمكن تأمين المصاريف الشهرية لهذه الفترة، حتى لا يتم استنزاف المدخرات السابقة وإهدارها.

- الحرص على ترك الوظيفة الحالية بعلاقة طيبة مع المنظمة والموظفين والرؤساء وتقديم الشكر والامتنان للجميع مع الحرص على التواصل الجيد معهم وترك فرصة للعودة للوظيفة السابقة لأي سبب كان، كعدم التوفيق في الوظيفة الجديدة أو إعادة النظر والتقييم في إمكانية عودة الموظف للمنظمة السابقة بدخل أفضل ومميزات جديدة ومنصب أعلى من السابق.

- الالتزام بالنواحي القانونية والأدبية عند تقديم الاستقالة بخطاب مميز ومختصر وإعطاء المنظمة فترة الإشعار القانونية لإيجاد بديل مناسب وتقديم كل العون والمساعدة لهذا البديل لضمان استمرار عمل المنظمة بشكل جيد ومرض.

- المحافظة على أسرار عمل المنظمة بعد الاستقالة والبيانات والمعلومات الخاصة بها تقديرا لهذه المنظمة على منح الموظف فرصة للعمل فيها، وتفاديا لعقوبات إفشاء أسرار العمل القانونية التي قد تلحق الضرر بالمنظمة وسمعتها.

قرار الاستقالة من أصعب القرارات في الحياة العملية وهو سلاح ذو حدين، فقد ينقل الموظف لوظيفة أفضل إذا كان القرار مدروسا بعناية وعمق تفكير، وقد يدمر حياة الموظف إذا كان بسبب الغضب والتسرع والهروب من مواجهة ضغوطات العمل وعدم معرفة كيفية التعامل مع الرؤساء والموظفين المختلفين والتغييرات الإدارية في المنظمات، لأن الموظف أحيانا يكون في منظمة مثالية ولكنه في المكان الخاطئ، أو قد يكون في المكان المناسب ولكنه في القطاع الخاطئ.

لذلك لا بد للموظف قبل التفكير في الاستقالة البحث عن شخصية مهنية متفهمة في المنظمة وإجراء محاثة مهنية صريحة ومثمرة معها لمحاولة تغيير الوظيفة إلى أخرى تناسب طموحه وقدراته وإمكاناته دون الحاجة إلى التسرع وتقديم الاستقالة، وحبذا أن تتم الاستخارة قبل القرار فقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام يعلم أصحابه الاستخارة في الأمور كلها ويقول لهم: «إذَا هَمَّ أحَدُكُمْ بالأمْرِ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِن غيرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لْيَقُل: اللَّهُمَّ إنِّي أسْتَخِيرُكَ بعِلْمِكَ، وأَسْتَقْدِرُكَ بقُدْرَتِكَ، وأَسْأَلُكَ مِن فَضْلِكَ العَظِيمِ؛ فإنَّكَ تَقْدِرُ ولَا أقْدِرُ، وتَعْلَمُ ولَا أعْلَمُ، وأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هذا الأمْرَ خَيْرٌ لي في دِينِي ومعاشِي وعَاقِبَةِ أمْرِي - أوْ قالَ: عَاجِلِ أمْرِي وآجِلِهِ - فَاقْدُرْهُ لي ويَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لي فِيهِ، وإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هذا الأمْرَ شَرٌّ لي في دِينِي ومعاشِي وعَاقِبَةِ أمْرِي - أوْ قالَ: في عَاجِلِ أمْرِي وآجِلِهِ - فَاصْرِفْهُ عَنِّي واصْرِفْنِي عنْه، واقْدُرْ لي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ أرْضِنِي قالَ: «وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ» (صحيح البخاري).

HashwanO@