حنان درويش عابد

قراءة في انزواء العقل نحو العمل الفردي بسبب الإنترنت

الأربعاء - 07 فبراير 2024

Wed - 07 Feb 2024

مما لا شك فيه أن تكنولوجيا الإنترنت قد قدمت ولا تزال تقدم خدمات جليلة على مستوى تطور الفرد في المجتمع سواء كان ذلك التطور علميا أو ثقافيا أو معرفيا أو على مستوى الأعمال الناشئة.

ومع ذلك، فهناك رأي أراه ناقدا لهذه التكنولوجيا الحديثة من زاوية من الواجب علينا ألا نتجاهلها، ذلك أننا عندما نبحث في قضية الإنترنت كثقافة حياة وأسلوب تعاط مع الموجودات في البيئة المحيطة لا يمكننا ألا نرى كيف أن هذه التكنولوجيا قد صنعت تباعدا اجتماعيا واضح الملامح للجميع منذ بدأت وتطورت ونما استخدامها على المستويين النوعي والكمي.

هذا التغيير الذي تسببت به تكنولوجيا الإنترنت على مستوى تفاعل الإنسان مع مجتمعه، وعلى مستوى انتقال العقل البشري من ثقافة التجمع المباشر، وتناول الأفكار والمفاهيم تناولا طبيعيا، إلى الانتقال إلى مرحلة انعزال سببها كون التواصل الاجتماعي أصبح عن بعد، ما أوصل الإنسان إلى مرحلة الاندماج عن بعد، ثم إغلاق النافذة وقتما يشاء وفتحها وقتما يشاء، وعليه فقد أصبح إحساس الإنسان بأنه فرد ووحيد هو إحساس أعمق بكثير من الذي عاشه الإنسان قبل وصول تكنولوجيا الإنترنت إليه.

هذا الانتقال في اعتبارات الإنسان الاجتماعية، والثقة المبالغ فيها التي أصبح الإنسان يعتنقها من كونه فردا وأنه ليس بحاجة للمجتمع، وهو الاعتقاد الذي غذته ممارسة استخدام الإنترنت، قد نقل تفكير الفرد من مرحلة شعوره كما كان الحال في الأجيال السابقة بأن العمل الجماعي هو السبيل الصحيح للنجاح، إلى أن انتقل إنسان عصر الإنترنت إلى أنه أصبح يفكر منفردا، وينزوي منفردا، ولهذا فهو يأخذ القرارات منفردا بشكل أكبر من الأجيال السابقة، ويثق بعقله ثقة سلبية بشكل أكبر من الأجيال السابقة، ويظن بأن ما قدمه له الإنترنت من معلومات واستعراض لتجارب الآخرين كافيا ليكتسب القدرة على الأخذ بزمام الأمور منفردا، ولذا فقد خدع الإنترنت الإنسان في هذا الوقت عندما أوهمه بأنه كفرد يمتلك كل أدوات النجاح، ولهذا ازدادت بشكل كبير المشاريع الفردية على مستوى العالم، وسجلت الكثير من تلك المشاريع تجارب مروعة من الفشل السريع أو متوسط السرعة.

لهذه الأسباب، فإن علينا كأفراد في المجتمع أن نبحث في هذه التغيرات العميقة، وأن نعيد تعريف مفاهيم النجاح والفشل وفق معطيات ثقافة الإنترنت الجديدة التي تمثل ثورة إيجابية وسلبية في نشر المعارف النافعة والضارة في ذات الوقت، وعلينا أيضا أن نواصل العمل على منح الجيل الشاب كل المعارف السليمة المستقاة من فكر ناضج ومستنير وواضح، وبقدر كبير من الشفافية والبعد عن النظر إلى الأمور بسطحية، لأن افتراض أن كل تكنولوجيا حديثة هي خير محض وبأنها وسيلة كاملة النفع للأجيال الحالية والقادمة هو بحد ذاته افتراض لا يمكن أن يكون صائبا صوابا مطلقا.


hananabid10@