عبدالله علي بانخر

يبقى المحتوى مَلكا ومِلكا للمشاهد عالميا وإقليميا ومحليا

الثلاثاء - 06 فبراير 2024

Tue - 06 Feb 2024

أين تذهب أو لا تذهب هذا المساء؟! سؤال كان يتردد في معظم الوسائل المطبوعة وخصوصا الجرائد اليومية في السابق بشكل يومي أو أسبوعي وخاصة قبل عطلة نهاية الأسبوع على وجه التحديد. ولا تزال بعض الجرائد اليومية العريقة تقدمه على الأقل بشكل أسبوعي أو ربما أكثر قليلا مثل جريدة نيويورك تايمز وواشنطن بوست وغيرها حفاظا على تقاليد متابعة الفعاليات المختلفة والأنشطة في أغلب مدن العالم الكبرى.

توجد الآن مجلات متخصصة في عرض برامج التلفزيون وكذلك برامج وأنشطة وفعاليات الواقعة في المدن الكبرى على مستوى العالم، وبعد أن كادت تختفي أو ربما اختفى هذا العنوان أو هذه الزاوية من معظم الجرائد اليومية العربية إلا ما ندر أو في التطبيقات الرقمية أو الرسائل التذكيرية على الهواتف الجوالة وأجهزة الكمبيوتر.. وقد كان الأمر كذلك عندما يذهب الجمهور فعليا وحضوريا إلى تلك الفعاليات الثقافية أو الفنية مثل المسرح والسينما وغيرها من العروض الأخرى مثل الرياضة والمعارض وربما أكثر، ولعل أهم ما يميز الباب الثابت «أين تذهب هذا المساء؟» في الصحافة عموما والعربية خصوصا هو الخروج بشكل جماعي جماهيري لحضور تلك الفعاليات بشغف وحب ومتابعة وحرص مباشر دون تحفيز للحضور.

ومع ظهور التلفزيون ومن قبله الراديو أصبحت المواد الترفيهية بما فيها الرياضة تأتي للمشاهد والمتابع في بيته أو عمله عن طريق كافة الوسائل والوسائط التقليدية وغير التقليدية أو الرقمية وفي كل وقت وكل حين وعلى نطاق أوسع وفقا لاختيار المشاهد.. وانطلاقا من مبدأ الجمهور عايز كده؟! أو القاعدة الشعبية المصرية «اللي عايزيني يجيني أنا ما بروحش لحد ؟!» ومع تغيرات أساليب وأنماط الحياة بشكل عام وكذلك طرق الاستخدام والإشباع والإمتاع للوسائل من قبل الجمهور بمحتويات متعددة ومختلفة عبر وسائل ووسائط تفتت من خلالها القاعدة الجماهيرية الحضورية بشكل آني أو لحظي، حتى فيما كان يعرف سابقا بوقت الذروة لمشاهدة في متابعة حدث بعينه عبر الوسائل أو الوسائط الاتصالية من عموم الجماهير الواسع وتحولها إلى فردية خاصة أو مجموعات صغيرة ضيقة، ومن أوقات خاصة ومحددة إلى أوقات ممتدة أو تراكمية ليست بالضرورة مشتركة بشكل جماعي ولا وقتي ولا آني.

وإذا كانت المقولة الشهيرة لسقراط عادة تذكر «تحدث حتى أراك».. فإن ما تشاهده أو تراه أو تتابعه يعبر بالضرورة أو يحدد كيف ترى العالم من حولك أو حتى كيف يراك العالم بما تستهلك أو تتعرض من مواد أو محتوى يجذب المشاهد دون غيره أو يحرص على مشاهدته الجمهور بصفة عامة أو خاصة، وعند استعراض ما يشاهده العالم من مواد أو محتويات والذي يعد «الملك» في العملية الاتصالية بعناصرها الرئيسة وغير الرئيسة نجد تنوعا شيقا وشائقا فيما يتابعه العالم في كل دولة على حدة. وفي دراسة أصدرتها Statista مؤخرا في 2023م حول المواد الأكثر شعبية أو إقبالا من قبل الجمهور عالميا وفقا لنسب المشاهدة وقد أظهرت التالي:

1 - على الرغم من تعددية سبل المشاهدة من بث عام أرضي أو فضائي أو عبر كابل وعلى عينة من المبحوثين من عدة دول يتراوح عددها بين 1083 إلى 6193 تتراوح أعمارهم ما بين 18-64 عاما لمن شاهدوا التلفزيون في الفترة من أكتوبر 2022م إلى ديسمبر 2023م.

2 - أظهرت الدراسة ان الكوميديا تتصدر نوعية المشاهدة وتتصدر المواد الأخرى في العديد من الدول بنسب ملحوظة ومتفاوتة، على سبيل المثال لا الحصر نجد الكوميديا تتصدر المشاهدة في الهند بنسب تصل إلى 67% وفي فرنسا 62% وفي الولايات المتحدة الأمريكية 61% وفي إسبانيا 59% كما تشارك الكوميديا والبرامج الوثائقية معا في ألمانيا بنسبة تصل إلى 57% ويمثل اتجاهات المشاهدة في تلك الدول ووفقا لظروف المعيشة الحياتية في كل دولة.

3 - تشارك كل من البرامج الوثائقية والدراما بأنواعها المختلفة (تراجيديا وكوميديا) في بريطانيا بنسب تصل إلى 61% في حين تصل الدراما وحدها في اليابان إلى ما نسبته 59% من المشاهدة التلفزيونية.

4 - ثم تأتي الأخبار (معلومات وآراء) سواء المحلية أو الإقليمية أو الدولية في الظهور بنسب مرتفعة في بعض الدول مثل البرازيل بنسبة 52% لمؤشر سائد للمشاهدة التلفزيونية.

5 - وبكل تأكيد تختلف ذائقة الجمهور ونسب المشاهدة في كل دولة على حدة وفي فترات زمنية محددة وجميع ما تقدم ليس إلا مجرد مؤشرات عامة لبعض دول العالم في فترة زمنية محددة وفقا لما هو متاح من معلومات مدققة وخاصة في نوفمبر 2023م.

وإذا كان فيما سبق أبرز المؤشرات لما يشاهده بعض دول العالم من محتوى عبر شاشات التلفزيون بشكل جماعي؛ فماذا عن عالمنا العربي MENA (الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) أي جميع الدول الناطقة باللغة العربية؟! فقد أعلنت Statista أيضا في 2022 أن المنطقة العربية تشاهد الأخبار في المرتبة الأولى وبنسبة تصل إلى 42% في عام 2018م، وربما هذا أحد مؤشرات أغلب الدول النامية عموما مثلما ذكر عن البرازيل فيما سبق. ثم تأتي الدراما بشقيها تراجيديا وكوميديا في المرتبة الثانية بنسب أقل، إلا أن تقارير Parrot التحليلية في ديسمبر 2020م تفيد تفوق الدراما إلى المرتبة الأولى بنسبة تصل إلى 44% تقريبا، وتأتي الأخبار في المرتبة الثانية أو التالية بنسب أقل من ذلك. وللأسف الشديد لا تتوفر المزيد من المعلومات بنفس الدرجة من الاعتمادية والموثوقية والدقة المتوفرة فيما سبق من دول العالم، ولكن وعلى الرغم من الافتقار لنسبة المشاهدة التلفزيونية بدقة للمنطقة العربية MENA ككل.. إلا أن المعلومات قد أصبحت تتوفر في السعودية بشكل أدق ومتتال ومماثل تقريبا لبقية دول العالم، ويتم توفيرها بدقة شديدة وموثوقية عالية عبر شركة التصنيف الإعلامية MRC في العامين الماضيين 2022م / 2023م.

في تقرير صدر مؤخرا في ديسمبر 2023م من قبل MRC عن المشاهدة التلفزيونية للفترة في شهر نوفمبر 2023م من خلال أجهزة قياس المشاهدة على عينة تتجاوز 2400 منزل عائلي، ومركزة في المدن الرئيسة حوالي 20 مدينة في المملكة، وقد كان أبرز ما ورد في التقرير من نسب المشاهدة كالتالي:

1 - تأتي الدراما بشقيها من التراجيديا والكوميديا في المرتبة الأولى وذلك عبر مشاهدة الأفلام والمسلسلات بنسبة يصل مجموعها إلى 30% من إجمالي المشاهدة التلفزيونية.

2 - تأتي الرياضة بما تعرضه من مباريات خصوصا في كرة القدم في المرتبة الثانية بنسبة تصل إلى 22%.

3 - كما تأتي الأخبار في المرتبة الثالثة من إجمالي المشاهدة التلفزيونية بما نسبته تصل إلى 17% تزيد وتنقص وفق الأحداث العالمية والإقليمية والمحلية.

تمثل هذه النسب والأرقام معلومات مهمة لكل من صناعتي الإعلام والإعلان على حد سواء في المملكة العربية السعودية وصولا للمزيد من الحفاظ على مقدرات الاستثمار في هذين المجالين على وجه التحديد وبشكل مستدام، ومن ثم السعي لتطويرهما بما يتناسب مع تطلعات السعودية ومن خلال رؤية المملكة 2030م.. ويبقى المحتوى متصدرا المشهد الإعلامي ثم الإعلاني علي حد سواء.. شأنه في ذلك شأن كافة دول العالم الأخرى وخصوصا المتقدمة منها.. وحتى تتبوأ السعودية مكانتها المرموقة ضمن أكبر اقتصاديات العالم وفي المرتبة المستحقة ضمن اقتصاديات أكبر 20 دولة في العالم بأسره، ويظل المحتوى مَلكا ومِلكا للمتلقي طالما بيده جهاز التحكم أو ما يعرف بالريموت كنترول، وتظل ذائقة المشاهد أو المتلقي هي المحك الفاصل في نوعية المحتوى الذي يقبل عليه المشاهد وعموم الجماهير.

@aabankhar