فيصل الشمري

جمهورية تكساس

الثلاثاء - 06 فبراير 2024

Tue - 06 Feb 2024

إن الحركة السياسية الداعية لاستقلال ولاية تكساس عن الولايات المتحدة الأمريكية والدائر نقاشها حاليا في المحتوى السياسي الأمريكي هي أمر ليس بجديد. وعلى الرغم من أنها تهدد بالفعل استقلال ولاية تكساس عن أمريكا، إلا أنه في الواقع هذا أمر بعيد الاحتمال، ويستند هذا التوقع على عدة عوامل سياسية واقتصادية وتاريخية ودستورية، لكن في نفس الوقت، فإن تلك النزعة السياسة النابعة من تكساس والتي تدعو إلى استقلالها هو أمر يجب النظر له بجدية ودراسته بكل عناية.

إن سبب النزاع ما بين حكومة ولاية تكساس وحكومة الولايات المتحدة الأمريكية ممثلة في إدارة الرئيس جو بايدن هو أمر يتعلق بالخلاف ما بين حاكم ولاية تكساس جريجوري أبوت والرئيس بايدن حول السياسات التي يجب تطبيقها لإيقاف وللتحكم في الأعداد الضخمة من المهاجرين غير الشرعيين والذين يدخلون الولايات المتحدة الأمريكية عبر حدود ولاية تكساس مع دولة المكسيك، والتي هي من الناحية الجغرافية الحدود الجنوبية للولايات المتحدة.

ويوجه الجمهوريون وحاكم تكساس السيد أبوت الاتهامات إلى الرئيس بايدن وإدارته لأنهم يتبعون سياسات تسهل للمئات من الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين دخول أمريكا بطرق ووسائط غير مشروعة. أحد تلك الوسائل التي تستخدمها إدارة الرئيس بايدن هي السماح للمهاجرين غير الشرعيين وعائلاتهم بالبقاء والإقامة داخل حدود أمريكا حتى يتم النظر من قبل المحاكم الأمريكية في مدى استحقاقهم للبقاء في أمريكا من عدمه.

لكن من دواعي السخرية أنه في الحقيقة لا يحضر غالبية هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين للمثول أمام القضاء عند إخطارهم بهذا، لفحص الأوراق الخاصة بطلباتهم للحصول على حق الإقامة الدائمة في أمريكا.

الجدير بالذكر أن هناك العديد من المدن الأمريكية والتي تشكو لعدم قدراتهم على استيعاب الأعداد الكبيرة من المهاجرين غير الشرعيين المتواجدون فيها، وتقديم الخدمات الاساسية لهم مثل المسكن والمأوى.

وعلى سبيل المثال، فإن مدينة دينفر في ولاية كولورادو يتواجد بها حاليا حوالى 40 ألف مهاجر غير شرعى يدورون في شوارعها وأزقتها. وهذه مشكلة لو عرفنا أن عدد سكان دينفر لا يزيد عن 700 ألف نسمة.

لكن يجب الأخذ في الاعتبار بأن ولاية تكساس لها تاريخ طويل في المطالبة باستقلالها عن أمريكا. لقد كانت ولاية تكساس جزءا من دولة المكسيك. لكنها انضمت إلى أمريكا في عام 1837. وكانت هناك دعوات لانفصال تكساس عن أمريكا أثناء وبعد الحرب الأهلية الأمريكية والتي استمرت طوال أعوام 1862 إلى عام 1865. وتجددت تلك الدعاوى الانفصالية لتجعل تكساس جزءا مستقلا عن أمريكا عبر العقود والعصور التاريخية المختلفة.

ولا توجد مادة في الدستور الأمريكي تحدد بطريقة واضحة كيف يمكن للولايات الانفصال عن الاتحاد الأمريكي. يخول الدستور الامريكي للولايات الحق في إبداء حرية التعبير. ومن ثم، إذا كانت هناك أصوات تتعالى من ولاية تكساس وتطالب بالانفصال عن أمريكا، فإن من الممكن اعتبار هذا على أنه حق الولايات الأمريكية الدستوري في التعبير عن رغبتها في ترك الوحدة الأمريكية.

ما يعقد الأمور فيما يتعلق بحق الولايات في الاستقلال عن أمريكا هو أن المحكمة العليا في الولايات المتحدة فشلت مرات عدة في إصدار حكم قاطع أو إعطاء رأي قانوني ثاقب يحدد بدقة حق أي ولاية أمريكية في الاستقلال عن أمريكا من عدم الاستقلال.

وهذا التوجه القانوني له علاقة بولاية تكساس، لان المحكمة الدستورية العليا في أمريكا لم تصدر رأي لا شبهة فيه إذا كان بإمكان ولاية تكساس البقاء كولاية أمريكية أو عدم البقاء كولاية أمريكية.

وأكثر الآراء تأييدا لحق أي ولاية في ترك الاتحاد الأمريكي هو أنه لا توجد أي سلطة للحكومة الفيدرالية المركزية في واشنطن ترغم ولاية أمريكية ما على البقاء في الاتحاد الأمريكي طالما كانت رغبة الأغلبية من سكان ولاية معينة الاستقلال عن أمريكا.

ومن الملاحظ أنه في الوقت الحالي يبدو الحزب الجمهوري في تكساس على أنه الهيئة التي تؤيد دعاوي انفصال تكساس عن أمريكا وحق تكساس في هذا.

وفي هذا الصدد أصدر الحزب الجمهوري في ولاية تكساس تقريره الساري لعام 2022 والذي صدر عن اللجنة الخاصة بالقرارات والبرامج، والذي دعا الجمعية التشريعية لولاية تكساس في أن تقيم استفتاء على حق ولاية تكساس في الاستقلال عن أمريكا فى عام 2023.

لكن هذا إجراء لم يحدث أبدا. بالإضافة إلى أن هناك فرق كبير ما بين المطالبة بحق ما واتخاذ الخطوات العملية لتطبيقه.

الغريب في الأمر هو عدم القدرة على معرفة إذا ما كانت هناك دعاوى للانفصال من قبل ولايات أخرى مثل ولاية تكساس أم لا.

يجب التنويه مرار بأن الاحتمال وارد من ان تطالب ولاية أمريكية بالانفصال عن الولايات المتحدة من حين لآخر، وأن تبقى هذه الدعوة الانفصالية مفتوحة ويمكن تجديدها وتكرارها.

لكن من الناحية العملية، هذا أمر صعب، وسيتطلب إجراءات انفصال ولاية أمريكية عن الاتحاد الأمريكي سياسات دستورية طويلة ومعقدة.

ومن الأرجح، لن تستطيع ولاية أمريكية استقلت عن أمريكا أن تحكم نفسها بنفسها كجمهورية مستقلة ذات سيادة.

قد تكون هذه الدولة حديثة العهد معزولة، ولن يكون لديها الا تعاملات محدودة مع عدد قليل من دول العالم. وقد تظهر دعاوى مضادة تطالب بعودة الولاية المنفصلة إلى الاتحاد الأمريكي مرة ثانية.

إن أهم قضية في النزاع ما بين الرئيس جو بايدن وحاكم ولاية تكساس جريجوري أبوت هو من له الحق في إصدار التعليمات لقوات الحرس القومي التابعة لولاية تكساس.

يصمم حاكم تكساس على أنه الوحيد الذي لديه الصلاحيات لإصدار أي نوع من الأوامر التي يجب على حرس تكساس القومي الانصياع لها، من الناحية الأخرى يصر الرئيس بايدن على أنه الشخص الذي بإمكانه وحده إعطاء أي نوع من التعليمات للحرس القومي في تكساس بحكم كونه القائد الأعلى للقوات المسلحة الأمريكية.

معنى هذا أن هذين الرجلين يختلفان حول من هو صاحب الحق في إرسال حرس تكساس القومي لحماية حدود أمريكا الجنوبية مع المكسيك ووقف الهجرة غير الشرعية لأمريكا. ومن الضروريات حل هذه المشكلة بسرعة وبأسلوب جيد.

وإذا لم يتم حل هذه النقطة بالذات فسوف يصبح العالم في حيرة لو تم إرسال قوات أمريكية للقتال في واحدة من الحروب خارج حدود أمريكا.

عندها سيسأل العالم: من الذي أصدر القرار لإرسال قوات أمريكية للتدخل عسكريا في آخر الحروب الخارجية؛ رئيس الولايات المتحدة الأمريكية أم حاكم أحد الولايات الأمريكية.

@mr_alshammeri