بشرى فيصل السباعي

سبب عدم النضج

الاحد - 04 فبراير 2024

Sun - 04 Feb 2024

من يريد أن يعرف سبب كل ما في العالم من مشاكل ومعضلات خاصة وعامة فعليه التعمق بمفهوم «النضج»، فعدم نضج الناس هو سبب كل ما يتسببون به من مشاكل ومعضلات لغيرهم ولا توجد ظاهرة سلبية إلا وسببها عدم النضج، وعلى سبيل المثال ارتفاع نسب الطلاق.

والنضج لا يحصل تلقائيا للناس مع التقدم في العمر؛ فالأكل والشرب والنوم والروتين اليومي لا تساعد تلقائيا في النمو والتطور والترقي الفكري والنفسي والأخلاقي والسلوكي والروحي وهو المقصود من مفهوم النضج، ولذا قد يكون الأصغر سنا إن عمل على تنمية وتطوير نفسه بشكل جوهري معمق أكثر نضجا من والده وجده ويرى خصومات أقاربه الأكبر منه بأنها أشبه بخصومات الأطفال لجهة ما تكشفه من عدم النضج لدى أطرافها.

كثيرا ما تكون أكبر الخصومات على أتفه الأسباب بسبب عدم النضج، وكل من لا يسلك بشكل واع طريق تنمية وتطوير الذات يبقى عالقا في مستوى عقلية ونفسية المراهق، وتنمية وتطوير وانضاج الذات يتطلب اكتساب المعرفة المعمقة عن ماهية الإنسان وكيفيات تنمية وتطوير وترقية وتكريس كل أجزاء كيانه، وكثيرون يتكاسلون عن هذا الجهد اللازم؛ لذا الإنسان عليه مجاهدة نفسه وعدم الانسياق وراء نزعة الكسل، ومن لا يحب القراءة يمكنه الاستعانة ببرامج قراءة النصوص التي تحول الكتب إلى صيغة مسموعة أو يحصل على نسخة مسموعة من الكتاب، والكتب التي يحتاج الجميع مطالعتها هي تلك التي ألفها علماء النفس وأيضا المفكرون، وكتب الحكمة التي تسمى في الإسلام «الرقائق».

للأسف إن الأنظمة التعليمية في كل العالم هي فقط تدريب على سوق العمل، ولذا لا تتضمن المواد التي تساعد على النمو والتطور الجوهري والنضج؛ ولذا كثيرا ما يصدم الناس من تصرفات أشخاص يحملون درجات أكاديمية عليا ومع هذا لا يبدو لها أثر على جعل نمط تفكيرهم وشخصياتهم وسلوكهم ومعاملتهم أفضل، بل قد تكون أخلاق الأعلى تعليما أسوأ بسبب تضخم غرور الأنا بالدرجات الأكاديمية مما يجعلهم يعاملون الناس بتكبر وعنجهية، وهذا يجعل معاملتهم وتفاعلاتهم مع الناس مسيئة دائما، وبالمثل مجرد حفظ النصوص الدينية لا يجعل الناس أفضل؛ لذا تكرر في القرآن ذكر أن دور الأنبياء تعليم الناس «الكتاب والحكمة» أي النص الديني مع علم تنمية وتطوير الذات، وبدون علم الحكمة مجرد حفظ النص الديني يؤدي لذات نتيجة حيازة الدرجات الأكاديمية أي حفظ النص العملي وهو جعل الشخص يغتر، والاغترار يجعله شخصا أسوأ من كل وجه، وهذا سبب الانطباعات النمطية السلبية عن كثير من المتدينين، ولو كانوا قد اكتسبوا علم الحكمة والتنمية الذاتية لكانوا عرفوا كيف يعالجون النزعة اللاواعية للاغترار.

الناس لا يعون أهمية علم الحكمة أو تنمية الذات كما أنهم لا يعون أهمية قراءة تعليمات التشغيل لأي جهاز، ولذا كثير من الناس لا يعرفون الكثير من المزايا التي في أجهزتهم ويسيئون استخدامها، ومجرد استعمالهم للجهاز لا يعني أنهم تلقائيا سيعرفون عنه ما تجب معرفته بمطالعة تعليمات التشغيل، وبالمثل فاستعمال الإنسان لجسده لا يعني تلقائيا أنه يفهم آليات عمل عقليته ونفسيته وسلوكه فهو يحتاج لاكتساب المعرفة عنها وهذا ما يولد لديه الوعي بالذات؛ لأن تلك المعرفة المكتسبة أشبه بمرآة تجعل الإنسان يرى حقيقته.

إدراك الإنسان لحقيقته الحقيقية هو حجر الأساس لتطوير الذات وغالب الناس صورتهم الذهنية عن أنفسهم منحازة ونرجسية ولا تعكس حقيقتهم الحقيقية التي يراها الجميع؛ ولذا لا يعرفون لماذا يتصرفون بالأنماط التي يتصرفون بها ولماذا للناس ردة الفعل السلبية التي لهم، ولماذا تتكرر ذات المشاكل وذات ردات الأفعال التي ثبتت عدم جدواها.