حسن علي القحطاني

لا تثق في قط

الاحد - 04 فبراير 2024

Sun - 04 Feb 2024

تابع بعض الناس مطاردة بطة لقط لم يعرها اهتمامه على شاطئ بحيرة البط في مدينة الخبر.

كتب عنها من كتب، وحلل سلوكها من حلل. منهم من هاجم أفكار المجتمع عن البط، وجعلها أيقونة للانحراف منذ أمد الزمان، وادّعى سوء سمعتها، بل فتح لها ملفا في شرطة الآداب.

القط أيضا لم ينج من وصفه الشعبي (بالداشر)، ولعل المهاجم رأى أنه يجسد شخصيته، وهنا تذكرت قول الشاعر أبن زمرك:

تدعى دشارا وفيك معنى
يخصك الفأل بافتتاح

وبما أني نشأت في بيئة لا تعيش فيها طيور البط، ومجتمع لا يتضمن أصناف طعامه لحوم هذا الطير، فقد تعرفت على البط خلال صورتها في كتاب مادة العلوم بالصف الأول قبل حوالي ثلاثة عقود، ثم في التلفاز، واستمرت العلاقة تكبر تدريجيا حتى دخل البط منزلي في أبها، عندما زاره الأخ الصديق (حسن حماقي)، وهو رجل أعمال مصري، أحضر معه مشكورا هدايا، كان منها حقيبة للمثلجات فيها بط مجمد، تحمل أعباء إحضارها معه من القاهرة، بعد الغداء خرجت مع صديقي في جولة للمتنزهات المجاورة، والبط خرج من دارنا بعد معركة غير متكافئة، واتهامات بانتهاء الصلاحية وفساد اللون.

أما معشر القطط، فكانت لهم صولات وجولات في حاراتنا، تغنى لهم الأوائل في مطاردة الجرذان، كانوا رمزا للعناية الشخصية والنظافة البدنية، ووصل بهم الحال إلى مشاركة الأطباء في علاج الحساسية خلال لعق المناطق المصابة، ولكن (والاستثناء يجب ما قبله) لم يسلم من خربشة أظافرهم إلا القليل من الذاهبين لأعمالهم أو القادمين من ملاعبهم، ومما زاد مصيبتهم أن شوه سمعتهم مسلسل (توم وجيري Tom and Jerry)، صراع بقاء بين القط (توم) والفأر (جيري)، (توم) يحاول الإمساك بـ(جيري) ليحتفل به كوليمة، (جيري) يهرب؛ يراوغ؛ ويستفز دائما، ويقع (توم) دائما في مآزق، ويصطدم أحيانا بمنزل الكلب (سبايك) (وهو إحدى شخصيات المسلسل) أو يقوم بكسر أثاث المنزل، ويتهم بهدر المال ويطرد من منزل أحلامه، ضاع القط (توم) وضيع سمعة آبائه وأجداده، حماة المنازل.

أخيرا، ظهر القط (جيري) في شاطئ الخبر، ليبني له مجدا جديدا، يستعيد بها الثقة التي فقدها، وبدل أن يفتح الصفحة البيضاء التي يحلم بها؛ وجدته بطة بيضاء، تمشي على ضفاف مملكتها، ظنت به خيرا، وأملت أن يتحول في زمن التحولات بطا، طاردته رغم تجاهله لها، واستمرت في مطاردته محاولة إقناعه، غضب؛ وفقد السيطرة على غرائزه فهاجمها معتقدا أن المساء كفيل بستر جريمته، فلم يجد سوى ركلة أعادته لمكانه الطبيعي، وصرخته غاضبة لا تأكل بطا ولا تثق في قط.

hq22222@