هتون أجواد الفاسي

جنوب أفريقيا ومحكمة العدل الدولية: مدافع شريف

السبت - 03 فبراير 2024

Sat - 03 Feb 2024

فاجأت جمهورية جنوب أفريقيا العالم والعالم العربي والكيان الصهيوني بموقفها الأخلاقي والقانوني الذي قررت فيه التصدي للكيان وما يمثله ومن يدعمه من دول كبرى، وتقيم عليه دعوى اقتراف حرب إبادة جماعية على الفلسطينيين في غزة وقدمتها إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، أعلى مؤسسة قضائية في العالم، ديسمبر الماضي، ودعمها بملف من 84 صفحة تعرض فيه جنوب أفريقيا حجتها وأدلتها وحيثياتها، وبناء عليه حصلت على موعد استماع في يومي 11 و12 يناير تابعه العالم بكل ترقب ودهشنا من قدرة فريق جنوب أفريقيا على التعبير عن القضية الفلسطينية وعن تطبيق الكيان الصهيوني لأبجديات الإبادة الجماعية ببلاغة وفهم للغة القانونية بشكل مثير للإعجاب والتقدير وأصبح أعضاء الفريق القانوني التسعة أبطال كل المدافعين عن الحق والعدل في العالم.

ولكن كما نعلم لم تكن المتابعة حتى في هذه الحال حيادية أو لكل العالم، حيث اقتصرت متابعة القنوات التلفزيونية العالمية الرئيسة وصحفها على متابعة الرد الإسرائيلي في اليوم الثاني حين فتحت كاميراتها له، بينما كانت متابعة مرافعة جنوب أفريقيا محصورة في عدد محدود من القنوات المستقلة وبعض القنوات العربية. ولم تمر هذه الملاحظة بسلام فقد نالت هذه القنوات وعلى رأسها الـ CNN, BBC, Sky News, Fox News كثيرا من الانتقادات والاتهام بالمعايير المزدوجة التي باتت تسمعها كل يوم.

وبالمقابل فإن عددا من الصحف التي كانت تعتبر في صف الكيان الصهيوني تحريرا ومادة كالنيويورك تايمز نجدها اليوم تفتح مساحات لكتاب يوجهون النقد المباشر للكيان الصهيوني والدعم الأمريكي ويوافقون محكمة العدل الدولية على أن ما يجري في غزة اليوم لا يمكن إلا أن يسمى حرب إبادة وجرائم حرب من وإلى، وتقوم الكاتبة ميغان ستاك Megan K.Stack بمحاصرة السردية الإسرائيلية من كافة الجوانب مستشهدة بأقوال لجنة محاميي جنوب أفريقيا وأقوال من استشهدوا بهم من رئيس وزراء الكيان إلى وزير دفاعه إلى الوزراء المستوطنين الذين يعلنون بالبنط العريض أنهم سيخلون غزة من سكانها. كما تتحدث عن حالة الأمان من العقاب التي تتمتع بها دولة الكيان هي وأمريكا كذلك والتي تجعلهما يمضيان في تجاوزاتهما وتعاونهما دون اكتراث بأي رقيب.

إن هذه النوع من المقالات كان يعد نادرا في صحيفة كالنيويورك تايمز ولم يعد الآن كذلك مع ازدياد أعداد الأصوات والأقلام والأقدام المتظاهرة في كل الأنحاء ويوميا في الولايات المتحدة الأمريكية، لكن ما زالت مقاليد القوة والسلطة الفارقة في يد عدد من رؤساء الدول المتقدمة التي ما زالت تعيش في عصر الاستعمار بأسماء مختلفة وما زالت تعتقد أنها نصيرة حقوق الإنسان والممثلة للإنسان المتقدم.

وبعد أسبوعين، وفي 26 يناير 2024 أصدرت محكمة العدل الدولية حكمها الابتدائي مكونا من ستة بنود يأمر إسرائيل بـ «اتخاذ جميع التدابير لمنع أي أعمال يمكن اعتبارها إبادة جماعية، ضمان عدم قيام الجيش الإسرائيلي بأي أعمال إبادة، منع ومعاقبة أي تصريحات أو تعليقات عامة يمكن أن تحرض على ارتكاب إبادة جماعية في غزة، اتخاذ جميع الإجراءات لضمان وصول المساعدات الإنسانية، عدم التخلص من أي دليل يمكن أن يستخدم في القضية المرفوعة ضدها، تقديم تقرير للمحكمة خلال شهر بمدى تطبيقها لهذه التدابير والأحكام.» أي رفضت طلب دولة الكيان بأن ترفض الدعوى.

وقد استوقف العالم مرة أخرى عدد الأصوات التي صوتت مع قرارها الابتدائي والذي كان بالمجمل لصالح دعوى جنوب إفريقيا، حيث تم اعتماد أغلب البنود بموافقة 15 عضوا في لجنة القضاة الـ17، وفي بعضها كانت بتصويت 16 قاضيا انضم فيها القاضي الإسرائيلي أهود باراك إلى الأغلبية في أربعة بنود، أما القاضية التي أصرت على البقاء معارضة لكل البنود فهي الأوغندية جوليا-سيبوتندي المشهورة بدفاعها المستميت عن الكيان الصهيوني لدرجة أن دولتها نفسها تبرأت رسميا من قرارها وتصويتها في سابقة غريبة من نوعها.

حيث علق مندوب أوغندا الدائم لدى الأمم المتحدة أدونيا أيباري، على موقف القاضية الأوغندية التي اعترضت على جميع الإجراءات المؤقتة التي طلبتها جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية «لمنع الإبادة الجماعية» في غزة، مؤكدا أن ذلك الموقف «لا يمثل البلاد». موضحا أن أوغندا عبرت عن دعمها محنة الشعب الفلسطيني من خلال التصويت في الأمم المتحدة.

وكانت ردود الفعل بالمجمل إيجابية فمعظم الدول العربية والإسلامية رحبت بالحكم وعلى رأسها المملكة العربية السعودية التي أعربت عن «تأييد المملكة لما صدر عن محكمة العدل الدولية، وتؤكد الرفض القاطع لممارسات الاحتلال الإسرائيلي والانتهاكات لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن الإبادة الجماعية».

وشددت على «أهمية اتخاذ المجتمع الدولي المزيد من التدابير لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وتوفير الحماية للشعب الفلسطيني، ومحاسبة قوات الاحتلال الإسرائيلي على انتهاكاتها الممنهجة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني».

فكيف نقرأ هذا الحكم الابتدائي وكيف قرأه العالم؟ ليس هناك من لم يبق ولم يعلق ويعبر عن رأيه في هذا الحدث العالمي وهو ما سأتركه للمقال القادم.