عبدالله علي بانخر

الألعاب (Games).. الوسيلة الأكثر جماهيرية وعالمية الآن

الأربعاء - 31 يناير 2024

Wed - 31 Jan 2024


بعيدا عن إشكاليات المفاهيم المتداخلة وجدليات المصطلحات التخصصية الدقيقة؛ فقد انسحب علم وفن الإعلام كأحد أشكال أو فنون الاتصال المتعارف عليها (دعوة - تعليم -إعلام - علاقات عامة - إعلان - دعاية - حرب نفسية - غسيل مخ) على الاتصال عموما في كثير من الأحيان، في تداخل غير مخل نسبيا ومقبول اصطلاحا أحيانا أخرى، وما إن أطلق الدكتور مارشال ماكلاهون عبارته الشهيرة «الوسيلة هي الرسالة « في كتابه الشهير في عام 1964م إلا وقد زاد الاهتمام بتعظيم المحتوى أو الرسالة أيا كانت أشكالها المختلفة مطبوعة أو مصورة أو مسموعة أو أي شكل آخر، وبعد أن ظلت كافة عناصر الاتصال الخمس الرئيسة المتعارف عليها على الترتيب (المرسل - الرسالة - الوسيلة - المستقبل - البيئة المحيطة) يتم التعامل معها بشكل منفرد أو مستقل في بعض الدراسات إلا أنه لا يمكن إغفال تداخلاتها أو تفاعلاتها سويا وبينيا وترتيبا في كثير من الأحيان، وهكذا استمر التعامل مع عناصر الاتصال باعتبار أن المحتوى هو «الملك» كما أطلقها بيل غيتس في عام 1996م، واعتبر الكثيرون من الممارسين فيما بعد أن الوسيلة هي «الملكة» تقديرا لها في نقل الرسالة، وفي تنافس محموم غير محسوم بين أهل المحتوى وأهل الوسائل في بعض الأحيان إلا أنه يصب في مصلحة المتلقي أولا وأخيرا.. حتى أن أطلق البعض مثل ماري سميث عبارة في 2023م، مفاداها: «إذا كان المحتوى هو الملك فان التفاعل هو الملكة، والسيدة الملكة عادة ما تحكم الدار».. ومثل هذه العبارات والصيحات تزيد من وطأة تداخل عناصر الاتصال عموما وبين المحتوى والوسيلة خصوصا.

كان لابد من هذه المقدمة الطويلة نسبيا لتقديم الوسيلة الأكثر جماهيريا ورواجا في العالم في الآونة الأخيرة لتتفوق على بقية الوسائل والوسائط الأخرى بشكل لافت، والحديث هنا ليس عن وسيلة تقليدية بل غير تقليدية (رقمية) وهي وسيلة الألعاب (Games).. فقد استفادت من التطور التراكمي لتقنية كل من الوسائل والرسائل على حد سواء مع التركيز على وظيفة الترفيه والتسلية كأساس وأولوية ويمكن مصاحبتها لبعض الرسائل الخاصة الأخرى.

بدأت الألعاب منذ بداية الحياة الإنسانية بشكل تلقائي وطبيعي وحتمي في كل الحضارات والثقافات المختلفة عبر الأزمنة المختلفة، وكان للألعاب نصيب ملحوظ من التواجد في كافة الوسائل الاتصالية التقليدية وغير التقليدية فيما بعد، ولكن الحديث هنا يقتصر تحديدا عن الألعاب الالكترونية Electronic Games .. وبدأت فعليا معامل بحث معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT في بداية الستينيات من القرن الماضي، بالطبع كان هناك بعض الإرهاصات الأولية في مناطق أخرى مثل كندا وألمانيا وربما غيرها.. إلا أنها بدايات متفرقة أو مبعثرة ما لبثت أن اجتمعت في مكان واحد فيما بعد، واعتبر المولد الشرعي لهذه الألعاب في معامل معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT في عام 1962م.. وكانت ألعاب قصيرة مدتها من 5-15 دقيقة تعد أو تبرمج على أيدي مجموعة من الهواة من الطلاب والباحثين هناك.. وتعد لعبة بروميسا Promesa اللعبة الأولى في تاريخ الألعاب الالكترونية، وتوالت بعد ذلك العديد من الألعاب في تحسن وتطور مستمرين.

وفي تتبع سريع لتطور الألعاب الالكترونية وانتقالها من المعامل إلى الجماهير مباشرة فيما بعد.. وفي بداية السبعينات من القرن الماضي أنتجت مجموعة ألعاب أتاري لأجهزة الألعاب بنظام الممرات Arcade للجماهير في أماكن محددة للعب، وفي منتصف السبيعنيات بدأ إطلاق أجهزة الألعاب المنزلية أو ما يعرف بمراكز تحكم ذاتية Consoles.. وفي عام 1978م كانت البداية الحقيقية لصناعة الألعاب من خلال التأسيس والانتشار اعتمادا على برامج حروب النجوم، ثم بدأ جيل جديد من الألعاب بإصدارات نينتاندو Nintendo الشهيرة في 1985م، وفي بداية التسعينيات بدأت موجة الألعاب متعددة اللاعبين أو المشاركين، ومع بداية الألفية الثانية دخلت شركة سوني Sony اليابانية الشهيرة مجال الألعاب الالكترونية بأجهزتها المعروفة، ثم شهدت أجهزة الاتصالات على الهواتف الذكية طفرة جديدة مع دخول الألعاب الالكترونية في 2010م.. ويستمر التطور ودخول عروض ألعاب جديدة خاصة بعد ظهور الجيل الخامس على هواتف الاتصالات الذكية مثل Play Station و X Box وغيرها من التطبيقات ميسرة وسهلة وبسيطة.

ومع كل هذه التطورات السريعة المتلاحقة بلغت إيرادات ألعاب الهواتف وحدها قرابة 93 بليون دولار أمريكي في عام 2023م، ومحققة بذلك الإيراد ما نسبته 45% من إيرادات الألعاب الالكترونية كافة.. أي أن إجمالي إيرادات الألعاب الإلكترونية يصل إلى حدود 207 بليون دولارا أمريكي في عام 2023م، وقد قدرت نيوزو Newzoo أن الألعاب الالكترونية على الهواتف الذكية تحظى بالنصيب الأكبر من حصة الألعاب على وسائل أو وسائط أخرى، وتشكل ما نسبته 3 أضعاف الألعاب على أجهزة الكمبيوتر الشخصية وتقريبا ضعف العناوين الموجودة على أجهزة التحكم المعتادة.

بنظرة سريعة على إيرادات أكبر الشركات العالمية في مجال الألعاب الالكترونية.. وعلى الرغم من التزايد الهائل في إنتاج الصين لألعاب أجهزة الهواتف الذكية إلا أنها أتت بعد الولايات الأمريكية الأمريكية في عام 2022م.. وإن كان ليس من المستغرب أن تلحق الصين بالمرتبة الأولى خلال 2023م.

وتأتي بعدهما كل من اليابان وجنوب كوريا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا ثم كندا، كما أن أعلى الإيرادات للألعاب الالكترونية كان من نصيب جاه الملوك Honor Of Kings في حدود 1.9 بليون دولار أمريكي في عام 2022م، وفي المرتبة الثانية تأتي پودچ PUBG بإيرادات تصل 1.5 بليون دولار أمريكي، على الرغم من شهرة ألعاب أخرى معروفة مثل سوبر ماريو Super Mario وغيرها، وذلك لاعتبارات ثقافية واجتماعية واقتصادية واجتماعية أخرى مختلفة في كل منطقة جغرافية وكل سوق على حدة باختلاف الشركات الناشطة في كل مكان حول العالم.

يبقى السؤال ماذا عن عالمنا العربي؟! وتحديدا في السعودية وحدها؟! تشير الإحصائيات أن انتشار الألعاب الالكترونية يكاد يتركز في 3 دول عربية هي على التحديد السعودية والإمارات ومصر، وقد بلغت التوقعات لإيرادات الألعاب للمنطقة العربية MENA في حدود 4.4 بلايين دولار في عام 2023م، وتتركز النسب الأكبر لإيرادات الألعاب في كل من السعودية بنسبة تصل إلى 52% وإجمالي إيرادات تصل إلى 2.3 بليون دولار أمريكي، وكذلك أيضا في حدود 22% في الإمارات وإجمالي إيرادات تصل إلى 1 بليون دولار أمريكي، ويتوزع باقي الإيرادات أي في حدود 26% على بقية الدول العربية مجتمعة، وبوقت مستغرق في المنطقة العربية MENA يزيد من 20-25% عن معدلات الاستغراق المعتادة عالميا، ويرجع ذلك بالطبع للعديد من الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية مع أهمية تقنين هيئات رسمية لمراقبة محتوى هذه الألعاب ومنحها التراخيص اللازمة لتواجد بفئات عمرية محددة وبوفرة كبيرة في الأسواق العربية عموما.

خلاصة القول أنه في الوقت الذي نجد فيه القاعدة الجماهيرية لكافة الوسائل الإعلام المختلفة تقليدية كانت وغير تقليدية (رقمية) تزداد تفتتا وتشرذما.. نجد وعلى العكس تماما أن الكثافة الجماهيرية تزداد انتشارا واستغراقا حول هذه الألعاب بشكل ملحوظ للغاية في العالم بأسره.. وتزداد الألعاب في الانتشار والاستخدام والإشباع خصوصا للفئات العمرية من الشباب والأقل من 30 عاما، خاصة وأن هذه الفئة العمرية الشبابية تشكل ما نسبته 60% من مواطني المنطقة العربية ككل.. ويستمر التزايد في الإقبال والاهتمام والاستمتاع بالألعاب.



aabankhar@