بسمة السيوفي

حرامية

الثلاثاء - 30 يناير 2024

Tue - 30 Jan 2024


يتركز السبب في هلاك المجتمعات وتدهور الاقتصاد وانحدار الحياة الاجتماعية في الولاية الفاسدة، فهي السبب المباشر في تقويض أي خطط للتنمية وبؤس الواقع الذي تعيشه الشعوب، فالفساد يهبط من أعلى إلى أدنى، والإصلاح يصعد من أدنى إلى أعلى.

وما برحت التقارير الدولية، تدلل على مستويات الفساد ومدى الأضرار التي يلحقها بالتنمية الاقتصادية والإنسانية وحقوق الإنسان الأساسية.

ولا شك أن استمرار ابتلاء المجتمعات بالمستويات العالية من الفساد يحتاج إلى نهج أكثر صرامة لمعالجة الفساد، وتحقيق العدالة والمساواة في المجتمعات بشكل أوسع.

وتمثل قضية الفساد ملفا هاما في المملكة العربية السعودية، حيث تسعى الدولة للتصدي له بشكل فعال وجاد، يشمل ذلك جميع الأنشطة التي تتجاوز أو تنتهك القوانين والمعايير الأخلاقية، ويتضمن الرشوة وسوء الإدارة، وما لها من آثار مدمرة في ضياع الموارد العامة سواء بالإهدار أو سوء الاستخدام، أو تدهور الخدمات مثل الصحة والتعليم، مما يؤثر سلبا على جودة حياة المواطنين، أو فقدان الثقة في المؤسسات الحكومية والخاصة في المجتمع.

ولتحليل ظاهرة الفساد لابد من التفصيل في المعنى والأسباب والحلول المقترحة.. فالفساد لغة من فسد، والمفسدة نقيض المصلحة، قال تعالى «وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون».

وفساد الشيء يعني تلفه وعدم صلاحيته، ويطلق المصطلح على أخذ المال ظلما بغير حق، والفساد في الاصطلاح هو خروج الشيء عن الاعتدال.

«وعرفت المنظمة الدولية للشفافية الفساد بأنه: إساءة استعمال السلطة لتحقيق مكاسب شخصية.

وهناك نوعان من الفساد: الفساد بالقانون According to Rule Corruption وهي الرشاوي التي تدفع للحصول على الأفضلية في خدمات وتسهيلات يجيزها القانون، بمعنى أن الراشي يدفع للحصول على حقه أو للحصول على أسبقية في الحصول على حقه. وهناك الفساد ضد القانون Against the rule Corruption وهو دفع رشوة للحصول من مستلم الرشوة على خدمة ممنوع تقديمها»، ويوقع هذا النوع من الفساد أكبر الضرر بالاقتصاد الوطني وحقوق المواطن والأجيال القادمة.

ومن أبرز الجهود التي بذلتها حكومة المملكة العربية السعودية في مكافحة الفساد وحماية المال العام.. إجراء إصلاحات قانونية وتشريعية ضمت بها هيئة الرقابة والتحقيق والمباحث الإدارية إلى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، فتعاظمت مسؤولياتها وبرزت نتائج جهودها على المستوى الوطني والدولي؛ فنجد مثلا أن مجموع البلاغات التي تلقتها هيئة مكافحة الفساد عام 2022م بلغت أكثر من 43 ألف بلاغ على مستوى مناطق المملكة.. مقارنة بما يقارب من 26 ألف بلاغ عام 2021.

وقد تصدرت المملكة العربية السعودية «تقرير نتائج مؤشر إيدلمان للثقة لعام 2023 كأعلى حكومة في العالم لقياس مستويات الثقة والمصداقية بين الحكومة والمواطنين، حيث حققت نسبة 86% مقارنة بـ83% للعام الفائت، وجاءت الصين ثانيا بنسبة 85%، والإمارات ثالثا بنسبة 84%. وقد شمل الاستطلاع حوالي 32 ألف مشارك من 28 دولة، لقياس مستوى الثقة في أداء الحكومات، الشركات، والمنظمات غير الحكومية، مما يثبت أن دراية الناس بالإحصاءات، يمكن الدول من تحقيق الشفافية في الاقتصاد، ويسهم في مكافحة الفساد.

ومن المؤكد منطقيا أن الحوكمة والشفافية من أهم أدوات كبح الفساد وتحقيق المساءلة وتوجيه القطاع الحكومي والخاص في أي اقتصاد.

عندما تتعزز النزاهة تزداد ثقة المجتمع في المنظومة القضائية والحكومية، ويرتفع مؤشر الثقة في بيئة الأعمال وتجذب الاستثمارات ويتسارع النمو الاقتصادي.

التحدي المتواصل الذي يواجه النزاهة، هو الاستمرار في تحويل الخطط إلى نتائج ملموسة في ظل التحديات العالمية المتجددة، وأن تتكثف الجهود للمزيد من التواصل الشفاف مع المواطنين عبر ابتكار حلول فاعلة وسريعة لمواجهة المشكلات التي قد تحجب هذه الثقة.

أن يكون هناك أيضا تطوير متصاعد لأنظمة التقاضي، وإنفاذ إجراءات صارمة ومعلنة ضد المتورطين، بالإضافة إلى زيادة الوعي المجتمعي وتغيير السلوكيات الهادمة للثقة، فضلا عن توفير بيئة مسائلة تقيس مستويات نزاهة الأداء في كافة مفاصل الدولة الحيوية.

الفساد هو جريمة سرقة المستقبل وهو الأخطر على أمن واستقرار الدول، والأكثر تخريبا للمجتمعات النامية، وجود «الحرامية» يرتبط بالفساد الأخلاقي، والغياب التام للرقابة الذاتية، مع التحايل على تراخي الرقابة العامة والقوانين، واستغلال الثقة بالنزاهة المتوقعة من القيادات.

وهنا يبرز دور المواطن كخط الدفاع الأقوى اقتصاديا واجتماعيا.. خاصة في بيئة العمل، حيث التبليغ الجسور عن الفساد، الذي تشجعه هيئة الرقابة، يفضح التجاوزات، والمحاباة، واستغلال السلطة ويسميها بأسمائها الصريحة.. ويكفل حماية المخبر عن الفساد.

المواطنة هي الضمير الحي الذي يمارس الحق في النقد البناء.. والدفاع عن الوطن ضد الفاسدين والداعمين لهم.. وكما قال سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز حفظه الله، «لن ينجو أي شخص دخل في قضية فساد أيا من كان.. لن ينجو سواء كان وزيرا، أو أميرا، أو أيا من كان.. أي أحد تتوفر عليه الأدلة الكافية سوف يحاسب».

النزاهة فعل تراكمي كزرع أشجار الخيزران الشامخة.. تسقى بالماء، ثم تراقب سنة كاملة دون نتيجة.. ترعى بعدها لـ 4 أعوام أخرى، ولا شيء يظهر.. وفي العام الخامس تحدث المفاجأة.. تنمو في كل يوم قرابة المتر.. حتى يصل ارتفاعها إلى أكثر من 30 م، ويبلغ قطرها 25- 30 سم. النزاهة ثقافة قيادة قبل أن تصبح ثقافة فرد أو مجتمع، وهي بالتأكيد بذرة تنتمي لكل إنجاز يزيد الوطن عزا وفخرا.



smileofswords@