شاهر النهاري

أي مرشحي الرئاسة الأمريكية أقل ضررا؟

الاثنين - 29 يناير 2024

Mon - 29 Jan 2024


والجواب يشغل حكام سائر دول الكرة الأرضية إثر قرب الانتخابات الأمريكية بخيار المر والأمر.

السياسة الأمريكية مهمة لجميع دول العالم، ولكنها أنتجت في فتراتها الأخيرة أنماطا من التخبط، وتمادي العناد المقلق بين الحزبين الحاكمين، وتباين منظور السياسة الداخلية، والخارجية تبعا لتغير الرئيس، الذي يفاجئ العالم بالخطوط الحمراء والزرقاء، وصولا إلى قوس قزح.

في رئاسة ترمب قام بتعطيل وتغيير وإفشال جل ما فعله سلفه أوباما، ورد عليه بايدن بانتقام شديد حال استلامه زمام الحكم وبما يحاكي أفلام الإثارة.

معاندة تسخط العقل والمنطق ودراماتيكية أحداث تهز الثقة برزانة السياسة الأمريكية العريقة، التي كانت المثال الأعلى عالميا في تعاملاتها وعلاقاتها، وتحالفاتها، وتعهداتها.

معارك سنة الانتخابات الحالية حرجة، تقيم العالم فلا يقعد، ودول عديدة تعتبرها قضيتها الأهم، ودول تتحزب وتدعم وصول ترمب، وأخرى تخترق وتتجسس وتغير من ثياب سياساتها، وتدفع الغالي ليبقى بايدن، بعد ارتهان رزانة أمريكا بميول شخصين من كبار السن!
في الشرق الأوسط قضى ترمب فترته الماضية بغطرسة وجشع وتسويف وتلاعب وإضرار بالأمن والاستقرار، ولو عاد للرئاسة، فسيكمل صفقة القرن بجهود زوج ابنته كوشنر.

أما بايدن فلو استمر، فالفيلم محروق، يستطيع المطلع على السياسة إدراك تأثيرات بطئه وعجيب أطواره على استقرار أوطان عربية، وتحفيز المنتهزين الإقليميين، وزيادة فوضى الميليشيات، وسخونة حرب المياه وسرقة الموانئ خلال تمديد فترته.

للسياسة الدولية حصون وأبواب وأقفال، وكانت الدول العظمى تعرف كيف تدخل وتخرج منها بثقة ووضوح، ولكنها مؤخرا تتفاجأ بكهربة الأبواب والمفاتيح.
هذا ما يشجع الدول المستقلة للتفكير خارج صندوق الفائز والخاسر في الانتخابات الأمريكية، والاهتمام بسياساتها واقتصادها وعلاقاتها وأمنها وسلامها، واختياراتها في التنمية معتمدة على كمال ذاتها، مع ترك نافذة بسيطة لتوقعات من يكون الرئيس القادم لأمريكا، ما يؤكد ضلوعها بدبلوماسية عميقة، وأولوية أمن ورفاهية، ومخططات مستقبلية سابقة للزمن، وقدرة طرح بدائل للشراكات المنفتحة على أي علاقة خارجية مفيدة، ودون جبرية الخيارين الأمرين.

أما الدول التابعة المرتعبة، مشتتة الرؤية ضعيفة الأدوات، فتظل تنفخ نارها وتستنفر إمكاناتها، وتضرب الودع، وتحتال، وتحمل هموم تأثيرات السيناريوهات المتطاحنة والمتضاربة، عاقدة حظوظها على فوز شخص وهزيمة آخر، ومؤجلة خطط تنميتها وحيويتها؛ لأنها في بداية كل رئاسة أمريكية جديدة تعاني من شتات ونفاق واستجداء وزيادة مصروفات وحيرة ومحو، واجتهاد في التغيير، بما يتناسب مع توقعاتها للمرشح الأقرب للرئاسة، مبدعة في سرعة وعنف التغيير، وإعادة تضبيط علاقاتها وتحركاتها وصداقاتها، وقبل أن تحين السنة الرابعة لولايته، فتتعطل بعدها أنشطتها مجددا، بانتظار المرشح القادم، وسط دوامة توقعات وتخوف، والرسم على احتمالين جديدين!
أمريكا ذاتها فقدت الثقة في استمرارية العمل القويم المدروس والبعيد المدى داخليا وخارجيا، والرئيس الجديد بلدوزر عناد وتغيير، ينسف أي مخططات، ومعاهدات وأعمال قام سلفه بتبنيها، كما حصل في أولى ساعات تولي بايدن للرئاسة، حيث وقع 17 قرارا تنفيذيا ألغى بها معظم قرارات إدارة ترمب، وكان أهمها إيقاف بناء الحائط مع المكسيك، والعودة لاتفاقية باريس للمناخ، وفتح أبواب الهجرة المجانية غير القانونية للحالمين!
الاستقلالية نهج حكام نجباء عظماء، ورؤية دول قادرة، ونتائجها مكفولة بفن وحكمة دبلوماسية وطنية خالصة، لا يحسنها الكثير.





shaheralnahari@