وليد الزامل

قبضايات الشوارع!!

السبت - 27 يناير 2024

Sat - 27 Jan 2024


قبضاي كلمة تركية قديمة تستخدم عند تحدي الخصم أو تهديد الآخرين وتخويفهم.

كان مفهوم هذه الكلمة لدى كثير من الشعوب العربية، خاصة بلاد الشام ولبنان، يحمل في طياته معاني الشجاعة والمروءة والشهامة وإغاثة المُحتاج.

قبضايات الشوارع كانوا يوجدون في مدينة بيروت ودمشق وأحيائها العتيقة، لينشروا مكارم الأخلاق والنخوة ومحاسن الطباع ومساعدة الضعفاء، فسيّد القوم خادمهم كما يقال.

اليوم، تحول مفهوم القبضاي ليشير إلى الرجل الشقي الطائش المتسلط على الضعفاء.

القبضايات ينتشرون في الشوارع ليس لمساعدة الآخرين وإشاعة مكارم الأخلاق كما كان، بل لإزعاج الآخرين وترويعهم والتسلط عليهم.

نعم، هم يرون الطريق حقا وملكية خاصة، فإياك أن تزاحمهم أو تتحداهم!.

من منا لم يتعرض إلى أذيه هؤلاء القبضايات، فهذا أحدهم يشير بكلتا يديه مهددا إياك إذا أخطأت خطأ بسيطا أثناء القيادة أو حاولت تجاوزه.

أما الآخر فيتخطى صف سيارات طويل ويعيق حركة السير ليبدأ بالالتفاف والدوران أولا، فلا أهمية أو قيمة لبقية المركبات التي تنتظر دورها في حق الدوران.

أما ذاك فيلتصق بمؤخرة سيارتك من الخلف ويطلق عليك وميضا ضوئيا شديد السطوع ليصيبك بالعمى، ويرغمك على الخروج من المسار حتى لو كنت تقود سيارتك بالسرعة النظامية.

في حين يناور ذلك القبضاي من أقصى المسار الأيمن الى المسار الأيسر، متخطيا جميع المركبات بمرونة عالية، فالمهم أن يصل إلى غايته دون أي اعتبار لحقوق الآخرين.

مشاهد نراها كل يوم من مشاكسات الطريق، أبطالها هؤلاء القبضايات الذين ما فتئوا ترويع الآخرين، والتسبب في حوادث شنيعة.

القبضايات تزداد شراستهم في أوقات الازدحام المروري، فلا رحمة ولا اعتبار لحقوق الآخر، فمنهم من يعترض قائدي المركبات ويشاكسهم بإيماءات وحركات باليد أثناء القيادة، ويوجه لهم سيلا من الشتائم، بل ويشتبك معهم جسديا إن لزم الأمر.

هذه الجرأة اكتسبوها يوما بعد يوم، فالجميع يهابهم ويبتعد اتقاء شرهم. سياراتهم مجهزه بتجهيزات خاصة بمقدمة مصنوعة من الفولاذ المقاوم للصدمات، والأنوار الأمامية مجهزة بقدرة ضوئية عالية السطوع. لديهم طقوس وخصائص عجيبة يميزون بها أنفسهم عن الآخرين، فمنهم من يقص الصدام الأمامي أو الخلفي للمركبة ليعطي انطباعا أنه القوي الذي لا يهاب أحدا، فهذه سيارته وقد قُضم نصفها الأيسر، فمن يجرؤ على مواجهة قرصان بعين واحدة؟

اليوم، نستبشر خيرا بدراسة إقرار مشروع مقدم من مجلس الشورى لإقرار قانون لمعاقبة «غضب الطريق»، لتجريم التصرفات السلبية في الشوارع، والتي ترتكب بقصد تهديد وتخويف الآخرين أو إيذائهم، سواء بالفعل أو اللفظ أو الإيماء.

ويشمل ذلك وضع تعريف واضح لمصطلح «غضب الطريق» بأنه «سلوك عدواني تجاه مستخدمي الطريق باستخدام المركبة بما في ذلك توجيه شتائم أو إيماءات تهديد للآخرين، أو تعمد مطاردة مركبة أخرى بهدف إيقافها عنوة، أو الاقتراب من مركبة أخرى، دون المسافة الآمنة وبسرعة عالية، أو المناورة عمدا أثناء السير تجاه مركبة أخرى أو المشاة».

المهم أن يترافق هذا التشريع في حال إقراره بآليه تنفيذ واضحة ومتابعة وتقييم، فالتخطيط وحده لن يكون كافيا لحل المشكلة.

باختصار، قبل أن نخطط للارتقاء بشبكات النقل في مدننا، علينا أولا تطوير قوانين وأنظمة رقابة ومتابعة ترتقي بسلوكيات بعض أفراد المجتمع، ليكون الطريق حقا للجميع بعيدا عن تسلط «القبضايات».


waleed_zm@