زيد الفضيل

المربع الأمني السعودي

السبت - 27 يناير 2024

Sat - 27 Jan 2024


لكل حيّز حمى، ولكل دولة مدى استراتيجي يكبر ويصغر حسب حجم الدولة وتطلعاتها السياسية والاقتصادية.

والمملكة العربية السعودية إحدى تلك الدول التي يمتد حماها الاستراتيجي ليغطي مساحة واسعة من حدود حيزها الجغرافي، لكونها إحدى الدول المركزية في العالم العربي والإسلامي بوجه عام.

وباعتبارها أحد أبرز دول العالم اقتصاديا وبالتالي سياسيا.

ويمثل الأردن والعراق شمالا، واليمن وسلطنة عمان جنوبا، وبقية دول مجلس التعاون الخليجي شرقا، الحمى الأول والرئيسي للسعودية، والذي يجب أن يتم تقويته وتعزيز عرى الاتصال به بشكل كثيف وآمن.

وحتما هو كذلك مع دول الخليج علاوة على الأردن، وهو بدرجة أقل مع العراق شمالا واليمن جنوبا، جراء تمدد النفوذ الإيراني في أروقتهما، الأمر الذي شكل تهديدا مباشرا للنطاق الأمني السعودي، وأدخل المنطقة في أتون من الصراع الملتهب، إلى أن نجحت الوساطة الصينية في تخفيف حدته، وتمكنت من رعاية توقيع الاتفاق الأمني السياسي بين السعودية وإيران، والذي أدخل المنطقة في حالة من الهدوء المشوب بالحذر حتى الآن.

على أن المنطقة سرعان ما تأجج لهيبها، بسبب حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة، انتقاما لنكستهم في أحداث السابع من أكتوبر2023، والتي أفقدت الشعب الإسرائيلي ثقته بأمنه وأمانه، وأسقطت أسطورة قوة دولة إسرائيل، وذلك حين اقتحم أفراد من المقاومة المسلحة غلاف غزة، متجاوزين بسهولة منظومة السور المدجج بالتقنية والسلاح، والذي كان يمثل أيقونة أمنية تتفاخر بها إسرائيل، وتمكنوا من أسر جنود وضباط إسرائيليين وهم وسط دباباتهم ومدرعاتهم.

وواقع الحال، فرغم توافد الحكومات الغربية بقيادة الرئيس الأمريكي بايدن لدعم إسرائيل في حربها المدمرة ضد شعب أعزل، فقد أحسنت الدول العربية صنعا بقرارها السياسي القاضي بعدم الدخول في حرب موسعة مع إسرائيل، وبالتالي فإن إحجامها عن تأجيج الصراع المسلح قد أسقط القناع الذي كانت تختفي إسرائيل وراءه، بحجة أنها دولة صغيرة في محيط دول عربية تريد أن ترميها في البحر وفق الخطاب الصوتي القديم، والذي كان يبرر الدعم الغربي لها عسكريا وسياسيا، لكنها في هذه المرة قد انكشفت، ورأى العالم وحشيتها وإجرامها بحق شعب أعزل، بل وعدم تمكنها من القضاء على أفراد المقاومة المسلحة، وتحرير أحد من جنودها وضباطها، وهو فشل كبير لم يحدث لها من قبل.

في السياق ذاته، حافظت الدول العربية والإسلامية بقيادة السعودية على ثبات موقفها المتشدد دبلوماسيا، وقوة تصريحاتها الواضحة، رافضة الانزياح عن توجيه الاتهام لإسرائيل في مختلف المحافل الدولية، الأمر الذي كان واضحا في تصريحات سمو وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، وتعليقاته القوية لفظا ومعنى، ودون أي انفعال صوتي، على كثير من الصحفيين الموالين لإسرائيل، ناهيك عن رفضه حرف بوصلة الصراع عن غزة، بتأكيده في مؤتمر دافوس بأن عسكرة البحر الأحمر نتيجة لما يجري في غزة.

في جانب آخر، فقد أوضحت التطورات الجارية أن معايير القوة قد تغيرت، وأبانت عن إمكانية أن تنزلق الأحداث لتتطور إلى حرب أوسع، جراء رغبة روسيا (مثلا) في تصفية حسابها مع الولايات المتحدة وأوروبا، ولا سيما إذا تطور الصراع في البحر الأحمر بين القوات الأمريكية واليمن، وازدادت حدة الهجمات المسلحة ضد القواعد الأمريكية في العراق، مع الإشارة إلى أن كلا البلدين يحظيان بدعم عسكري ولوجستي من إيران وحلفائها.

أشير إلى أني كنت سباقا ـ وعبر مقال سابق في هذه الصحيفة ـ في التنبيه إلى خطورة تمدد دول الطوق ليشمل مناطق غير مُحاددة لإسرائيل كاليمن والعراق، ويزداد الأمر خطورة حين لا ترتبط المجاميع المسلحة في هذه الدول بما يسمى بقواعد الاشتباك الدولي، وهو ما يجعلها أكثر تحررا في قرارها العسكري، مما يجعل المنطقة على كف عفريت، كما يقال. وبالتالي، حريّ بنا فتح حوارات أكثر إيجابية مع القوى السياسية الفاعلة في البلدين، رغبة في الوصول إلى تهدئة حقيقية، وعلاقات مميزة مع السعودية، انطلاقا من مقولة: أنا رب إبلي، وللعالم رب يحميه.

وإذا كان ذلك متوجبا مع اليمن والعراق، فهو واجب أكثر مع الأردن، الذي نرتبط به بقواسم كثيرة، ونتوافق معه في أشياء أكثر، ويمثل بموقعه الجغرافي صمام أمان عنق الزجاجة، وبالتالي فحري أن يتم دعمه، والإسهام في تنميته، بوصفه حليفا استراتيجيا، ومخزنا بشريا متقدما يمكن أن يسهم لوجستيا في مختلف مشاريع التنمية والبناء بالمملكة ودول الخليج. وصدق رسول الله القائل: (إن الله استقبل بي الشام، وولّى ظهريَ اليمن، وقال: يا محمد إني جعلت لك ما تجاهك غنيمة ورزقا، وما خلف ظهرك مددا..).



zash113@