عمر العمري

اختبارات قياس خرجت عن السيطرة

الأربعاء - 24 يناير 2024

Wed - 24 Jan 2024

في ظل تعطش الكثير من القطاعات الحكومية أو التعليمية إلى ربط الوظائف أو الترقيات أو العلاوات أو حتى القبول في الجامعات وكليات بمقاييس اللغة والقدرات أو باختبارات الرخص المهنية، واستمرارية مجهولية مصادر هذه الأسئلة التي تحتاج إلى نقاش، ومحدودية المقاعد لهذه الاختبارات أو صعوبة الحصول عليها وامتلائها بشكل سريع وقد تضطر إلى الانتظار حتى يبدأ التسجيل في السنة القادمة أو السفر إلى مدن أو محافظات أخرى من هذا الوطن الكبير، وما زال جزء كبير منها ورقيا وتتم في إجراءات مشددة ومتعبة إن كان في مقرات الجامعات أو بعض المدارس المفتقرة إلى وسائل الراحة، علما أن هذه الاختبارات برسوم يدفعها الفرد، ومرتبطة بمصائرهم ومستقبلهم الوظيفية أو الترقيات وغيرها والتي قد تتأخر تبعا لذلك.

أصبحت هذه الاختبارات عائقا أمام تقدم الكثير من أبنائنا في حياتهم العلمية أو العملية، وهذا الغموض في المصادر والمراجع أنعش السوق السوداء بتكاليف أخرى للحصول على تجميعات الأسئلة السابقة والتي لا يأتي منها شيء؛ لأن الأسئلة تتغير بطبيعة هذه الاختبارات أو مخلصات نظرية مجمعة بشكل عشوائي قد لا تخدم الاختبار بشكل مباشر.

في ظل هذا التعطش الشديد وثورة هذه المقاييس الموحدة لدينا، التي تريد أن تضع الناس على مسطرة واحدة متجاهلة أبسط مفاهيم التنوع والاختلاف والفروق الفردية بين البشر وبالتالي متهمة بالتمييز والتحيز لقدرات معرفية أو عقلية دون غيرها ولا تقيس المهارات الناعمة، أو الشغف والاستعدادات الشخصية لمجال أكاديمي معين أو مهني، وبالتالي لا تنبئ بتحقيق نتائج أفضل أو نجاحات في المستقبل؛ لأن هناك عوامل أخرى كثيرة شخصية ومهارية أو اجتماعية بالإضافة إلى جودة البيئة التعليمية أو العملية التي تسهم وتؤثر في كمية ونوعية هذه النواتج ونجاحاتها أو تفوقها.

وفي نفس السياق ومقابل هذا التعطش لدينا نشرت مجلة أمريكية متخصص بالتعليم العالي (Inside Higher Ed) 29 يناير 2033م مقالة بعنوان (أصبحت اختبارات القبول في الكليات شيئا من الماضي) وأن أكثر من 80% من الكليات والجامعات الأمريكية لا تطلب من المتقدمين إجراء اختبارات موحدة مثل SAT أو ACT يتضمن ذلك نظام جامعات كاليفورنيا بأكملها، وحاليا، (4%) من الكليات التي تطلب على استحياء بعض الاختبارات الموحدة SAT أو ACT للقبول؛ بسبب ما تواجهه هذه المقاييس من انتقادات تحيزية أو فجوات في تقييم المهارات الناعمة والملاءة الثقافية، وقد تكون عائقا لاستفادة المجتمع من أشخاص أو أفراد قد يكونوا السبب في خلق علامة فارقة في تطوير هذا المجتمع أو تقدمه نحوى آفاق جديدة.

مجلة نيويورك تايمز مايو 2021م نشرت تقريرا عن عدد من القضايا القانونية ضد هذه الاختبارات الموحدة واتهمتها بالتحيز والعنصرية والعرقية أو الطبقية وما ترنو إليه من عوائق أمام هؤلاء الطلاب للالتحاق بهذه الجامعات أو الوصول إلى الحرم الجامعي للدراسة، نتج عن هذه القضايا في ذلك الوقت عدد من القرارات والتسويات منها الانسحاب التدريجي عن هذه الاختبارات حتى التخلي عنها تماما (وهذا ما تحقق الآن) والبحث عن طرائق وأساليب أخرى أكثر عدالة ومساواة كإجراءات قبول الطلاب في الجامعات أو الكليات.

وأصحبت الجامعات والكليات الأمريكية تأخذ في الاعتبار «consider a wider range of factors» تشير إلى مجموعة أوسع من العوامل عند تقييم المتقدمين للالتحاق. وتشمل هذه العوامل: الدرجات الأكاديمية، مثل درجات الثانوية العامة أو الدرجات الجامعية السابقة، الأنشطة اللامنهجية، الكتابة الإبداعية؛ مثل المقال الشخصي أو رسالة التوصية، السمات الشخصية؛ تبحث بعض الكليات عن طلاب لديهم شخصية قوية وقادرون على المساهمة في مجتمع الكلية، التنوع الرياضي أو الفني أو الثقافي: لكي يكون هناك مجتمع تعليمي متنوع، يعكس المجتمع الأوسع.

أعتقد من الواقع الذي عايشته مؤخرا وأنا أختبر إحدى اختبارات الرخصة المهنية (التخصصي) أنها خرجت عن السيطرة وأنا أعيش مثال هذه التجربة وهي بلا شك خلف هذا المقال، الأسئلة بمقياس مستوى الصعوبة كانت من فوق المتوسط حتى درجة الصعوبة الشديدة، التراكيب اللغوية معقدة بالإضافة إلى طول الأسئلة حتى أصبحت قصة وليس سؤالا في ظل محدودية الوقت ولا تخلو من التوهان واللف والدوران في استخدام اللغة، وهذا بالتأكيد لا يخدم الاختبار والمقصد الذي وضع من أجله، علاوة على ذلك تقارب الإجابات شتت المختبرين.. أعتقد أن هذا الوضع لا يخدم المركز ولا الجهات المستفيدة منه فضلا عن المستفيدين من الطلاب والموظفين لارتباطها بالوظائف أو العلاوات أو الترقيات.

أعتقد الموضوع يحتاج إلى إعادة نظر، وإن كان تم استقطاب أو تقليد تجارب عالمية في السابق، فهؤلاء تراجعوا وانتقلوا إلى مناطق أخرى أرحب وأكثر عدالة ومساواة وعقلانية، ونحن ما زلنا نتصارع على الماضي.

3OMRAL3MRI@