بسمة السيوفي

نشوز الزوج

الثلاثاء - 23 يناير 2024

Tue - 23 Jan 2024


خلال زيارتي الأخيرة للقاهرة لحضور منتدى الحوكمة الذي نظمه مركز المحامي النشط ماجد قاروب بالتعاون مع جامعة بانثيون السوربون في باريس، ومركز بحوث الشرق الأوسط وجهات أخرى.. سرني لقاء العديد من أعضاء السلك القضائي والنيابي والجنائي في جمهورية مصر العربية، وسعدت بالتعرف إلى قاضيات ونواب محاكم في محكمة الجنايات ومحكمة المرأة، وأهدي إلي كتاب قيم من القاضية الموقرة دعاء حسين الحداد عنوانه «الحماية الجنائية للمرأة»، وخلال جلسات المنتدى، التي تناولت موضوعات مثل الحوكمة في قطاعات الإعلام والثقافة، الرياضة والترفيه، والقضاء والخدمات القانونية، تصفحت فهرس الكتاب والمحتوى؛ فلاحظت عدة عناوين مثيرة للاهتمام، تناقش قضايا مقدسة، وترمي أحجارا في مستنقعات راكدة.

وقبل أي ديباجة.. لا بد من الاعتراف بأن الثقافة الجمعية العربية لا زالت تعتبر المرأة الحلقة الأضعف التي تنوء بالحمل الأكبر في علة خراب مؤسسة الأسرة، بينما الرجل هو المتصرف في شؤونها، ولذات الأسباب الفكرية.. مضافا إليها النظرة الاستعلائية الذكورية تجاه المرأة في المنطقة العربية بشكل يلغي فردانية المرأة ويقلص من حقوقها، لا بد من تناول الصورة الذهنية التي تشكلت عن المرأة في العالم العربي.. الصورة الاعتبارية التي ما زالت تتغير وتتطور باعتبار أن القوانين والتشريعات المستجدة تلعب دورا هاما في تغيير الصورة النمطية التي تقيم مدى اقتراب القوانين أو ابتعادها عن تناول أوضاع المرأة، وما يحول دون أداء دورها الفعال في الحفاظ على كينونة الأسرة.

ولكي أركز أكثر.. أخبركم أن يدي توقفت على جزء في الكتاب يفصل في شأن نشوز الزوج، لم أكن أدري أن للأزواج أحكاما للنشوز في شريعتنا الغراء!؟ فكل ما نسمع عنه ويفصل فيه الفقهاء أكثر هو نشوز الزوجة، ما يقصد بالنشوز هنا كل ما يتعلق بسلوكيات الزوج مثل: التسلط، العنف النفسي، وعدم التواصل الفعال، النشوز الذي يؤثر سلبا على الحياة الزوجية فيزيد من التوتر، لتنهار العلاقة بين الشريكين. نشوز الرجل علامة من علامات الكراهة، والزوج الناشز هو الذي يمنع عن زوجته حقوقها الشرعية أو يعتدي عليها. والنشوز في اللغة العربية يعني الارتفاع والاستعصاء والترفع، ويستحق الزوج وصف «النشوز» إذا تعدى على زوجته بالإيذاء أو الشتم أو الضرب أو سلوكيات سوء العشرة، أو لعنها أو ازدرى أهلها، أو ترك المنزل وعاد ليلا للمبيت فيه، ويعد بذلك آثما ومستحقا للعقوبة.

إذا نشز الزوج فإن الآية الوحيدة التي تتكلم عن ذلك هي آية الصلح: {إن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير} النساء 12، قالت عائشة رضي الله عنها: نزلت في المرأة تكون عند الرجل، فلعله ألا يستكثر منها، وتكون لها صحبة وولد، فتكره أن يفارقها، فتقول له: أنت في حل من شأني» متفق عليه. يؤكد هذا الفهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، «ألا واستوصوا بالنساء خيرا، فإنما هن عندكم عوان ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة..، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا، إن لكم من نسائكم حقا، ولنسائكم عليكم حقا، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون..» رواه الترمذي.

إذا نشز الزوج يطبق الصلح.. حتى رغم كونه غير قائم بحقها وظالما لها، بينما لا يوجد تسويغ للزوجة بتأديب زوجها الناشز، عند تعرض الزوجة للخطر والإيذاء، سوى اللجوء للقضاء، ثم يكون تأديب الزوج الناشز بحكم القاضي أو القاضية ومعرفتهما.

ويمكن القول إن نشوز الرجل أخطر وأشد على حياة الأسرة من نشوز المرأة، وللقانون دور هام في تفادي ذلك، منها تشجيع وسرعة إنفاذ القوانين العادلة لحماية حقوق الطرفين. وحسب القوانين الجديدة في المملكة العربية السعودية، فإن الخدمات الالكترونية في وزارة العدل تتيح رفع قضية طلاق الكترونية، لكن تصنيف الدعوى لا يحتوي على النشوز، وذلك لعدم وجود هذه التسمية فيها، فهل يمكن للزوجة أن ترفع دعوى فسخ عقد نكاح بعوض.. وأن تذكر في سياق الدعوى مع الشواهد.. تفريط الزوج في حقوقها وأن زوجها هو الناشز؟!
الخلاصة أني لا أتكلم عن نشوز المرأة؛ ففيه تفصيل كثير، ما أسلط الضوء عليه في مقالي هو حالات نشوز الزوج وإعراضه وإن ندرت، الحالات التي تتطلب توفير التثقيف القانوني للشريكين، وتلقي المساعدة الضرورية من خلال استشاريين مختصين في الدعم النفسي والقانوني قبل الوصول إلى مرحلة التقاضي؛ فهل توفر وزارة العدل ذلك؟
ربما يكون الحل بداية من «داخل مؤسسة الأسرة ذاتها.. حينما يبدأ كل شريك باحترام فردانيته ونبذ فرديته»، حين يحترم الزوج دوره في القوامة، ويقدر مسؤولياته نحو صناعة أسرة سعيدة ممتدة، مجتمع تكون الأسرة هي نواته الصلبة، «منه تنطلق السياسات والقوانين والشرائع وإليه تسخر».. مجتمع لا تكون فيه الثقافة صدى انعكاسي للأعراف القديمة والسياق الاجتماعي المضاد، بل تثقيف قانوني حقيقي للمجتمع العربي يستند إلى الشرع الحنيف، تثقيف لا يلتزم الصمت نحو هذه الحالات كونها شاذة، ولا يمارس العويل على أسباب زيادة معدلات الطلاق دون معالجة الأسباب الجوهرية، بل هو تطوير للأحكام النافذة تماشيا مع فقه الواقع، والتطبيق على الجميع دون استثناء.

الشكر موصول للمنتدى وللقاضية دعاء الحداد على الإضاءة المعرفية.



smileofswords@