أمين شحود

عجوز قريح

الثلاثاء - 23 يناير 2024

Tue - 23 Jan 2024

مررت بموقف ضايقني وشعرت فيه بالغبن والحسرة والقهر، فشكوت ما أصابني إلى بعض من أثق بهم فحاولوا التخفيف عني بالاستماع والنصيحة والتوجيه ونحوها من طرق المواساة، لكن ذلك لم يبرد حر قلبي ولم يشف فؤادي، ثم إنني جلست مع صديق فأخبرته بما حصل معي، فلم يتفوه إلا بعبارة واحدة قائلا: يا رجال "بقريح".
عندها نزلت عبارته على قلبي مثل الثلج وعدت للبيت يومها وقد نفضت غبار الهم عن كاهلي.
"بقريح" كلمة متعددة الاستخدامات كثيرة المدلولات، وكلها تصب في خدمة مصابي مشاعر البؤس الإنسانية، وتأتي على عدة معان: طنش، لا عليك منهم، في ستين داهية، أصابتك القرحة، دعه "يزعل" دون سبب، فليذهب المزعجون إلى الجحيم، وغيرها.
ويقال إن "قريح" تصغير لجبل "قراح" الذي ينسب إليه قول الشاعر محسن الهزاني:
ويا زلته في عاليات الجبال
ماها قراح مير من دونها غرق
وقيل إن "قريح" رمز للمكان النائي وقيل إنه اسم "جني" والعياذ بالله.
أحمد الله على هذه الألفاظ التي جادت بها اللغة علينا بغض النظر عن أصلها وسببها.. فهي تنفس الغضب وتهدئ الألم وتواسي النفس وتنعش الروح، وبها يتضح المقصد ويصل المراد.
ولهذه الكلمات قوة وطاقة إيجابية، لولاها لشاب الرأس وسقط الشعر وارتفع الضغط وازداد السكر وقرقع القولون وتشنج العضل وضاق الوريد وانسد الشريان وذبلت العينان وذاب القلب كمدا وغيظا.
وبعض الناس إذا قلت له مثل ذلك رد عليك: وأين ذكر الله؟
فالجواب أن ذكر الله حياة وبركة، لكنه أعظم وأكبر من أي مقارنة فهو خارج منظومة المسببات الدنيوية؛ كما أن بعضهم إذا سألته عن أفضل الكتب التي قرأها يذكر لك القرآن الكريم ثم كتاب كذا وكذا، وهو وإن حسنت نيته فقد وقع في فخ ومنزلق المقارنة.
وعودة إلى الموضوع؛ فاعلموا رحمني ورحمكم الله أن الحياة الدنيا كلها لا تستحق التوتر ولا النرفزة، فإن ساءتكم يوما فقولوا "بقريح".
أما "عجوز قريح" هذه فلا يخلو منها مجتمع، وهي التي تشعرك أن دورها في الحياة مقتصر على التفريق بين المحبين والتنكيد على السعيدين وتثبيط الطموحين والانتقاص من الآخرين.. عجوز قريح امرأة تريد أن تعيش أوانا فاتها وزمنا تجاوزها وسلوكا لا يليق بها.
هي امرأة سبابة لعانة شماتة عيارة نمامة مغتابة حسادة وشكاكة، لا ينجو منها أحد، تمر على مجلس فتملؤه ثقلا وضيقا وهما وغما.
سئل حكيم: متى تظهر مؤشرات "عجوز قريح"؟
قال: منذ شبابها.
قيل: وكيف نعرف ذلك؟
قال: تجدها "نفسية" متقلبة المزاج دون سبب، كارهة للبشرية، لا يعجبها العجب.. في داخلها "قريح" ينمو ويكبر، والعجيب أنها غير انطوائية فلا تكفي الناس شرها بل تتردد إلى المناسبات حتى وإن علمت ألا أحد يحبها.
قيل: فكيف التعامل معها؟
عندئذ بكى الحكيم وقال: ادع الله ألا يطيل عمرها، فإنه إن طال عمرها قصرت أعمار من حولها.
بقي أن أخبركم أنني ولله الحمد سمعت عن عجوز قريح ولم أضطر للتعامل معها حتى الآن، ربما لأن جدتي رحمها الله كانت تدعو لي دوما أن يقرب الله مني الطيبين.. فأؤمن على دعائها وأتمتم: والطيبات أيضا.