أحمد بني قيس

«الأحادية القطبية» تحتضر

الاثنين - 22 يناير 2024

Mon - 22 Jan 2024


يؤكد حال القطبية في عالمنا أنه كان حتى عهد ليس بالبعيد أسير ثنائية قطبية تسيطر على المشهد الدولي ونظامه، وأول قطب في تلك الثنائية هو «المعسكر الغربي الرأسمالي» بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بينما القطب الآخر يمثله «المعسكر الشرقي الشيوعي» الذي كان يقوده في حينه «الاتحاد السوفيتي».

إلا أن ذلك الواقع تغير حاله اليوم وتضاربت أدواره بعد تفكك «الاتحاد السوفيتي» وتشرذم منظومته القطرية نتيجة فشل عقيدته الشيوعية الأمر الذي أدى إلى استفراد أمريكا بالسيطرة على معظم بقاع العالم مشكلة بذلك نظام دوليا جديدا أحادي القطبية.

ومن محاسن هذ التغير أنه ترتب عليه بروز دول أخرى ذات تأثير عارم وشعبية جارفة آخذة في التطور العلمي والعملي وترى أن من واجبها الحد من الهيمنة الأمريكية الحالية ومشاركتها في صنع واتخاذ أي قرار دولي تدعو الحاجة لتبنيه وإصداره ومن أبرز هذه الدول التي تتوفر فيها شروط القطبية ثلاث دول.

أولى هذه الدول دولة يشهد الواقع بريادتها على صعيد الكثير من المناشط والتوجهات وهي الصين، حيث إنها أصبحت تعد المنافس الأول للولايات المتحدة الأمريكية في الكثير من المناحي الفاعلة والمؤثرة دوليا رغم أنها تواجه تحديات منها الحجم السكاني الكبير الذي يشهد واقعه بوجود نسبة مرتفعة من أفراده تعاني من عقبات مالية عسيرة يستنزف تذليلها إنفاق نسبة كبيرة من الوفرة المالية التي تمتلكها الدولة ولكن يقول المتابعين لها والمطلعين على شأنها بأنها ستكون قادرة على تجاوز هذا الحال قريبا.

وتلي الصين في تراتبية فرضها الواقع دولة روسيا التي يؤكد حراكها على الصعيد الدولي حجم مكانتها وكيف أنها تعتبر بالفعل إحدى قوى العالم المؤثرة والفاعلة نظرا لتمتعها بعدة مزايا أهمها تاريخها المعروف والعريق بمختلف توجهاته وأحواله يلي ذلك تمتعها بمساحة جغرافية واسعة ومقدرات اقتصادية وفيرة أكسبتها نفوذ اقتصادي وسياسي كبير وسمعة عالمية لا يمكن التقليل منها؛ لذا نجدها تسعى لفرض حقها في أن تكون قطبا دوليا يعترف به الجميع حالها في ذلك حال الولايات المتحدة الأمريكية.

والدولة الثالثة هي الهند التي يؤكد واقعها بأنها تعيش نقلة نوعية قد تجعلها قريبا أحد أهم الاقتصاديات في العالم وسبب اعتبارها دولة منافسة وجديرة بأن يكون لها دور محوري في سن القرارات الدولية يعود للتالي:

أولا: لأنها دولة ذات حجم سكاني كبير ومساحة جغرافية واسعة غنية بالموارد الطبيعية والبيئية التي انعكس وجودها وحسن استغلالها بالإيجاب على مكانتها وثقلها الدولي.

ثانيا: لأنها تعتبر من أهم رواد التقنية في العالم بمختلف أشكالها وصورها الأمر الذي نتج عنه تميز الكثير من أفرادها في هذا المجال ما جعلهم يصبحون صيدا ثمينا في نظر معظم الشركات العالمية الكبرى ومكسبا مهما تجتهد أغلب دول العالم خاصة المتقدمة منها في الفوز به.

لذا وجب إدراك أن كافة المعطيات الحالية تشير إلى قرب نهاية «الأحادية القطبية» كما عهدناها ما يجعل المصير المتوقع لها ينحصر في تبني أحد أمرين لا ثالث لهما إما القبول بمبدأ تعدد الأقطاب وإما الاتفاق على التخلص من القطبية نفسها (اللاقطبية) وهذا ما يستحيل فعله لأن من ظل لسنوات طوال يستمتع بالقطبية وجميع مزاياها وحيدا دون شريك لن يقبل بالتخلي عنها وعن الحوافز التي تقدمها له بكل سهولة وهذا ما سجعل كفة الخيار الأول ترجح عنده مطبقا بذلك قاعدة «مالا يدرك كله لا يترك جله».


ahmedbanigais@