شاهر النهاري

الصدفة لم تخلق الوحش الحوثي

الاثنين - 22 يناير 2024

Mon - 22 Jan 2024


من كان يصدق قبل ثورات الخريف العربي أن الحوثي سيصبح وحشا مسعورا دمويا منفلتا خارج حدود صعدة، ينهك العالم بمحاولات إعادته للقفص؟
لكل حادث مسبب، فكان أول المتسببين في خلق الحوثي وتغذيته وتربيته الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، الذي كان يستفزه للخروج على سلطته كلما تعالت مطالبات الشعب اليمني بحقوق العيش، متمرد صغير عبثي يشتت الأنظار عن فساد الدولة وتردي أساسيات الحياة والخدمات والتنمية والتطوير، وصالح يصوره عقبة وطنية عسيرة لا بد من تجاوزها قبل أي عمليات إصلاح.

ست مواجهات ميدانية تمت بين قوات صالح والمتمرد الحوثي، من 2004، وحتى المواجهة الكبرى 2011 التي أعطت الحوثي مزيدا من القوة والرقعة والسيطرة.

الحوثي كان سعيدا بتلك المجابهات الدموية، والتي مكنته، وزادته ضجيجا وتمردا فاستعان بإيران، التي قدمت له دعمها وخبراتها وسلاحها، وراهنت على أنه سيكون وحش جنوب الجزيرة العربية، وباب المندب، والبحر الأحمر المنتظر.

وفي 2017 نهش الوحش الحوثي رأس مربيه الأول علي عبدالله صالح، وبسط سيطرته على صنعاء، وأبدع بتنفيذ خطط إيران التوسعية البعيدة المنظور، وبدعم خفي من عرب كانوا ماء من تحت التبن.

السعودية والتحالف العربي أجبروا على شن حرب طويلة على الحوثي لاستئصال خطورته، لولا أن أمريكا والدول العظمى انبرت لحمايته، بمعارضة أعمال التحالف، وشطب جماعة الحوثي من قوائم الإرهاب، وإنهاك الحلف باتهامات تخطي حقوق الإنسان، ومنع بيع الأسلحة للسعودية، ما فاقم من تمادي الحوثي، وازدياد قوته ورقعته، وتحقق فوائده لإيران مصاحبة لليونة القرارات الدولية، وتقليص عمليات مراقبة مفاعلها النووي، وقيام أمريكا بمهادنتها، وفك التجميد عن كثير من أموالها، ما ضاعف من تفلت وشراسة الوحش، الذي أثبت لإيران تفوقه في الجدوى على سائر ميليشياتها.

وفي هجوم حماس على تل أبيب سبعة أكتوبر، وما تلاه من قصف عكسي إسرائيلي همجي وإبادة جماعية لأهالي غزة، تبعثرت أوراق أمريكا والدول الأوروبية عالميا، بينما زاد انتهاز إيران للفرصة فوسعت مساحات عربدة وحشها المتهور بتحفيزه لإطلاق الصواريخ البالستية باتجاه مناطق النزاع، وتنفيذ عمليات قرصنة بحرية مجنونة، ما اضطر أمريكا ومن حالفها من الدول العظمى لتكوين حلف «حارس الازدهار»، للتصدي لأعمال المفلوت المتهور.

أفعال أمريكا والدول العظمى المتساهلة، تثبت دوما أنها من أهم أسباب تضخيم الوحش الحوثي، فقامت 16 يناير 2024 بتوجيه ضربات جوية على بعض مواقع تمركزه في صنعاء والحديدة، ولكن مخاوف العقلانية الإقليمية والعالمية تتزايد بمعرفة أن الضربة، التي لا تميته ستزيده قوة، مع ثبوت حرص الأم الإيرانية فهي ترعاه وتطبب جروحه، لتعيده للميادين أشرس وأكثر تهورا مما كان عليه.

الصدفة بريئة من خلق المتمرد الحوثي، والمتسببون في صناعته وتقويته جهات عديدة، تتخذ أدوارها حسب مصالحها الآنية، والحوثي يتغذى شراسة وينتفخ مع انعدام جدية وفعالية مواجهات العالم لجنون شروره، وتمرده على قوانين هيئة الأمم ومجلس الأمن، واستهانته بكل قيمة ومحظور وكبير.

مقالي اليوم إنذار لكل من يعتبر، ولكل من يتهاون بتربية الوحوش المسعورة بغرض إضرار غيره، ولمن يمد الأيادي سرا وعلانية، ناسيا أن الوحوش متى ما جاعت تنهش أول ما تنهش أيادي ورؤوس من تسببوا في خلقها.


shaheralnahari@