وليد الزامل

البصمة التاريخية لحي البجيري وطريف التاريخي

السبت - 20 يناير 2024

Sat - 20 Jan 2024


كنت في زيارة الأسبوع الماضي لمنطقة البجيري وحي طريف التاريخي. المنطقة بعد التأهيل أصبحت بمثابة مزار سياحي متميز، يجمع بين قيم وأصالة الماضي وحداثة الحاضر.

اللافت في مشروع تأهيل المنطقة التاريخية، أنها لم تقتصر على صيانة أو ترميم المعالم التاريخية فحسب، بل استيعاب النسيج الحضري المحيط بالمشروع لصناعة منطقة سياحية متكاملة.

ويتماشى هذا المفهوم مع توصيات اليونسكو لـ1967م، والمتعلقة بحماية المناطق التاريخية، إذ ينص البند الثالث على «التعامل مع المنطقة التاريخية ومحيطها ككل متماسك ومتكامل، قائم على انصهار واندماج الأجزاء المكونة له مع بعضها، والمتمثلة بشكل خاص في المباني والنشاط البشري، اللذين لا يمكن تجاهلهما».

كما أن ترميم المواقع التاريخية أخذ في الحسبان المعايير الدولية للحفاظ العمراني، منها الحفاظ على الأصالة، والقدرة على تمييز المواد الدخيلة في المبنى التاريخي وفقا للمادة 12 من ميثاق البندقية 1964، والتي تنص على «عند استبدال الأجزاء المفقودة، يجب أن تُدمج الأجزاء الجديدة مع الكل بشكل منسجم ومتناغم، لكن في الوقت نفسه يجب أن تكون قابلة للتمييز عن الأصل، فالترميم لا يزيّف الدلائل الفنيّة والتاريخيّة».

منطقة حي البجيري وطريف التاريخية ليست مجرد بوابات وقصور تاريخية أعيد ترميمها لتكون مزارا سياحيا، فبمجرد زيارتك للمنطقة تستحضر التسلسل التاريخي والرسالة الثقافية التي تجسدت خلال صورة عمرانية تحكي قصة انتماء الإنسان للمكان وتطويع مواد البناء المحلية لتتماشى مع الظروف البيئة القاسية. رسالة ثقافية تترجم قيم الماضي بلون الحاضر رُبطت فيها المنطقة التاريخية بساحات وميادين عامة، تطل على متنزه البجيري التراثي.

كما تم استحداث كثير من الخدمات والمطاعم التي يتماشى تصميمها مع طبيعة المنطقة التاريخية، كالمعارض والمتاحف والأنشطة الاجتماعية.

حافظت المنطقة على القيمة الفريدة للمنطقة التاريخية، وتم استغلال التباين في مناسيب ارتفاع الأرض لتشكل مطلات طبيعية.

ورغم تميز مشروع الحفاظ العمراني للمنطقة التاريخية وتكامله، إلا أن هناك بعض الملاحظات أسوقها كمتخصص في مجال التخطيط العمراني، ويمكن تلخيصها على النحو التالي:
أولا: الحاجة إلى معالجة التمديدات الكهربائية والإضاءة والتشوهات البصرية، مثل غرف التصريف وأغطية الصرف الصحي التي تنتشر على طول مسارات المشاة، بحيث يتم إخفاؤها بطريقة تضمن الحفاظ على روح المكان وطبيعته التاريخية.

ثانيا: الحفاظ على الصورة البصرية التاريخية للمنطقة، خلال طبيعة العناصر العمرانية المستحدثة التي تؤكد على البصمة التاريخية للمنطقة، تماشيا مع ميثاق صيانة المدن التاريخية والمناطق الحضرية، أو ما يعرف بميثاق واشنطن 1987م، الذي ينص على «أن تكون الوظائف والأنشطة المستحدثة متلائمة مع طبيعة المنطقة التاريخية..».

ثالثا: التأكيد على أن الحفاظ العمراني للمناطق التاريخية لا يقتصر على البعد المادي، بل لا بد من وجود برامج موازية تعكس استغلال هذا التراث في حياة المجتمع كمورد ثقافي، تماشيا مع البند الأول في اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي 1972م، والتي تنص على «ضرورة اتخاذ سياسة عامة تستهدف جعل التراث الثقافي والطبيعي يؤدي وظيفة في حياة الجماعة، وإدماج حماية هذا التراث ضمن برامج التخطيط العام».

رابعا: أهمية الاستفادة من المعالم التاريخية كالقصور التاريخية وتعيين الاستعمال الأمثل لها، والنشاط البشري الذي يحافظ على استدامتها تماشيا مع المادة الخامسة لميثاق البندقية 1964، والتي تنص على «توظيف المبنى التاريخي، بما يفيد المجتمع، يساعد بشكل كبير في عملية الحفاظ عليه..».

خامسا: التأكيد على أن عملية الحفاظ العمراني لا تقتصر على البعد المعماري؛ بل استغلال المنطقة بما يخدم البعد الحضري ككل، تماشيا مع المادة الأولى لميثاق البندقية 1964، والتي تنص على «أن مفهوم الأثر التاريخي لا يتضمن فقط العمل المعماري بمفرده، بل أيضا الموقع الحضري أو الريفي الذي يحوي الدليل لحضارة معينة، تطور مهم أو حدث تاريخي»، وهو ما يعني أهمية ربط المشروع في سياق تنموي يخدم سكان المدينة.


waleed_zm@