فيصل الشمري

إبستين الدولة العميقة

الأربعاء - 17 يناير 2024

Wed - 17 Jan 2024

لم تكن مجموعة الوثائق التي كشف عنها مؤخرا والمتعلقة بالمليونير الأمريكي جيفري إبستين (الذي تقدر ثروته وقت انتحاره - نضع خطين تحتها - في سجن في مانهاتن، نيويورك، في آب/أغسطس 2019، والتي قدرت بمبلغ 560 مليون دولار أخبارا جديدة مفزعة.

الجميع في المحيط الإعلامي والسياسي في واشنطن العاصمة يعرف حياة الخزي لمرتكب جريمة الإتجار بالقصر منذ 2007 على أقل تقدير.

الممول الأمريكي المدان، أهم المسائل المرتبطة بهذه الوثائق هي صلاته بنخب بارزة جدا في الولايات المتحدة وفي جميع أنحاء العالم.

اليوم يواجهون الاتهام الشعبي بسبب أنماط الحياة للنخب والطرق الفاسدة للتنشئة الاجتماعية بين مجتمع النخب سواء كانت مالية، سياسية، فكرية، أكاديمية. وهي تشير إلى أعمال الدوائر الداخلية للسلطة والثروة، والسلطة بين الطبقة السياسية والتجارية الحاكمة في الولايات المتحدة وغيرها من بلدان العالم.

وهم يكلفون النخبة العالمية بممارسة شاذة، تشجع هذه الطرق المفرغة للحفاظ على قبضتهم على مراكز السلطة في مجالات السياسة، والأعمال التجارية، والتكنولوجيا، العلماء.

وهي تشير بجدية إلى تسلل عدد قليل من وكالات الاستخبارات لتكون ذات تأثير واتصال وثيق مع قادة العالم، في وضع أساليب للتجسس عليهم.

وليس أقل ما في الأمر أن قضية إبستين تلقي الضوء على السرية والسياسات المعقدة التي تستخدمها الدول العميقة في كثير من دول العالم لحكم العالم. إن أي محلل سياسي بارع سيجد دليلا في تفاصيل فضائح إبستين على وجود نخبة عالمية شريرة تدير وتتلاعب بحكومات العالم وعمليات خفية للتأثير على صناعة القرار وتديم قوتها مقابل مصالح الملايين من المواطنين العاديين في جميع أنحاء العالم.

تتضمن القائمة أسماء مثل الرئيس السابق بيل كلينتون، ترمب، والأمير أندرو من بريطانيا العظمى، والمندوب الأمريكي لدى الأمم المتحدة بيل ريتشاردسون، وسيناتور ماين السابق وزعيم الأغلبية الجمهورية جورج ميتشل، والمحامي الشهير وأستاذ جامعة هارفارد ألان درشويتس.

وتتضمن القائمة أسماء أخرى أيضا. لكن وجود اسم شخص ما في ملفات إيبستين لا يعني بالضرورة ان هذا الشخص كان ضالعا في فعل خاطئ.

معظم هذه الأسماء القوية في ملفات (إيبستين) أنكرت ارتكاب أي أفعال خاطئة ومع ذلك، فالقصة برمتها جدلية جدا، وتلحق ضررا بالغا بالأشخاص الذين ذكرت أسماؤهم في ملف إبستين.

ومن بين العناصر المحورية في التحقيق في جرائم إبستين مجموعة النساء المعروفات بالضحايا.

وهن شابات استغلهن إبستين لتقديم خدمات إلى عملائه شملت أشخاصا ذوي نفوذ كبير في مناصب مرموقة جدا. وعلى سبيل المثال، هناك صور للرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون يتعانق من إحدى هؤلاء الضحايا وهي قاصر.

وتشكو جميع هؤلاء النساء المستغلات من خلال القنوات القانونية لتلك القضية الجنائية من إجبارهن على أداء خدمات لا يرغبن في القيام بها.

وفي حين أن هناك تعاطفا مع معاناتهن الحقيقية، فإن مشكلة استغلالهن أكبر من كونها استغلالا جسديا لقصر بل ترتبط بخدعة تجسس خطيرة تعرف باسم «honey Trap»، بالعربي «فخ العسل».

التعريف لمثل هذه العمليات بأنه «ممارسة تحقيق تنطوي على استخدام العلاقات الرومانسية أو الجنسية لأغراض الابتزاز (بما في ذلك التجسس الحكومي)، أو لأغراض نقدية.

وينطوي فخ العسل على الاتصال بفرد لديه المعلومات أو الموارد التي تطلبها مجموعة أو فرد؛ ثم يسعى الصياد إلى إغواء الهدف في علاقة زائفة (قد تشمل أو لا تشمل المشاركة المادية الفعلية)، حيث يمكنهم جمع المعلومات أو التأثير على الهدف».

إنها طرق سيئة للتآمر ضد القادة في الدول القطرية ذات السيادة فإن تلك النخبة تتعرض للتخويف من جانب ما يسمى الدولة العميقة داخل الدول أو من جانب المسؤولين الذين على صلة بالدولة العالمية العميقة.

وسعيا وراء هذه السياسة الاستغلالية، الدولة العالمية العميقة تحافظ على مصالحها على حساب شعوب العالم وتوهم أنها تعمل من أجلها. العكس هو الحقيقة، وهم يعملون ضد بلايين الناس.

أساسا، يظل (إبستين) الشخصية المركزية في هذه الجريمة.

لسنوات كانت شريكته (غيسلين نويل ماريون ماكسويل) إنها مواطنة بريطانية من مجتمع النخبة مدانة بارتكاب جرائم جنسية ومساعدة إبستين في عملياته.

وفي عام 2021، أدينت بالإتجار بالأطفال لأغراض جنسية وبتهم جنائية أخرى. وحكم عليها بالسجن لمدة عشرين سنة. إنها تقضي تلك العقوبة الآن، جرائمها كانت مرتبطة بحبيبها السابق، كانت غيسلين تجند النساء والشابات من سن 13 من أجل استغلالهن الجنسي لتسلية موكلي السيد إبستين.

وحقيقة إنها ابنة البليونير البريطاني روبرت ماكسويل الذي يملك إمبراطورية إعلامية.

كان (روبرت ماكسويل) تقدر ثروته بـ 4 مليارات دولار في وقت وفاته الغامضة في البحر في تشرين الثاني/نوفمبر 1991. ووصفته صحيفة الأخبار «تايمز» الإسرائيلية في العبارة التالية: «دُفن على جبل الزيتون في القدس بحضور العديد من الشخصيات الاستخباراتية الإسرائيلية، وتحدث في عزاه رئيس الوزراء آنذاك (إسحاق شامير) وفي خضم التقارير التي تشير إلى صلاته بوكالة الاستخبارات البريطانية وهيئة الاستخبارات البريطانية والموساد، أعلن شامير أن ماكسويل «قد فعل من أجل إسرائيل أكثر مما يمكن أن يقال اليوم».

في الختام، فإن مهمة الدولة العالمية العميقة هي تقويض الاستقرار في بلدان العالم.

وشهادات هذه الوثائق هي حقائق راسخة عن عقيدة سياسية لتضليل العالم من أجل القلة القوية.

ولا بد من إيقاظ شعوب العالم على مخططاتها الإرهابية، فملفات إبستين ليست مهمة المدعين العامين فحسب في كشفها، بل هي التزامات المواطنين من جميع البلدان بحماية بلدانهم، وحماية حقوقهم، وضمان حرياتهم.

mr_alshammeri@