لا تصب القهوة على يدك
الأربعاء - 17 يناير 2024
Wed - 17 Jan 2024
قبل فترة لبّيتُ دعوة عشاء لأحد الأصدقاء القدامى في مزرعته الخاصة، وفي تلك الأمسية حدث موقف دعاني إلى كتابة هذا المقال.
كان هنالك شخص يتحدث بطريقة استجداء العطف من المحيطين حوله، بسرده روايات تراجيدية حزينة يلعب فيها دور الضحية.
وفي المقابل، ابنه الذي رباه وكساه وأشبعه ورعاه يلعب دور المجرم الذي أصبح يعيش بعيدا عنه مع زوجته وأبنائه، ويعمل في شركة معروفة ويتقلد منصبا مرموقا، ويتقاضى راتبا كبيرا. ويسترسل قائلا: إن ابنه قابل الجميل بالجحود والجمود، والنكران والنسيان، وعدم التواصل فترات طويلة.
الشاهد في الأمر، أنني لاحظت شيخا كبيرا يجلس في زاوية المكان، تبدو عليه آثار الزمان، قد تجاوز الثمانين من عمره، وبجانبه ابنه في عقده السادس تقريبا، وحفيده في ربيعه الثالث.
نهض الابن يصب القهوة العربية لوالده والضيوف، والحفيد يتبع والده حاملا صحن التمر يقدمه للموجودين، فإذا بصوت الجد مرتفعا موجها لابنه قائلا: انتبه يا وليدي «لا تصب القهوة على يدك» وما كان من الابن إلا أن صمت للحظات، وكأنه يترجم ما يعنيه والده الشيخ الكبير من تلك الجملة، فرد من حينه قائلا: «على راسي يا تاج راسي»، وتبعه الحفيد بالرد على والده وجده «زاد خيركم ودام عزكم وفضلكم يا ساسي».
هذا التسلسل التربوي الراقي من الردود المتوارثة لثلاثة أجيال لم يأت من فراغ.
هنالك مفارقات بين المشهدين بلا شك، ولكن دعوني أتناول تلك الحكمة التي تصاغ بماء الذهب، والتي علقتها على جدار ذاكرتي، وثبتها بحائط مشاعري: «لا تصب القهوة على يدك»؛ أي لا تؤذي نفسك من نفسك.
قد يجهل كثيرون خلال بث شكواهم للآخرين، سواء للمقربين أو البعيدين، لما يحصل من أبنائهم من تجاوزات وحماقات، والتي من المفترض أن نكون نحن الستر عليهم والغطاء.
فالآخرون إما أن يكونوا شامتين أو ناقمين، أو إنهم سلبيون لن يضيفوا شيئا من تلك الشكاوى سوى الإرهاق النفسي، والألم المشاعري المرتد على الطرف الشاكي.
لا تبنوا السدود أمام أبنائكم بسلوكياتكم، ولا تحدثوا الفجوة المؤدية للجفوة في نفوسهم، بإحراجهم وتصغيرهم والتسبب في فضح سترهم وتعرية مشكلاتهم وتصرفاتهم التي لا ترضيكم أحيانا، بل كونوا بجانبهم وامدحوهم وركزوا على ميزاتهم، وقدروا ظروفهم، فالحياة ليست باليسيرة، فجميعهم منغمسون في مشاغلهم والتزاماتهم.
أبناؤنا هم نتاجنا، ويجب أن نعلم يقينا بأن الله ـ جل في علاه ـ هو المربي في الأول والأخير، ندعوه بهدايتهم وصلاحهم، وما نحن سوى وسائل وأدوات نلقنهم ونعلمهم ونوجههم ونرشدهم، في مختلف مراحلهم العمرية، ونصنع نماذجهم ونقولها لهم، فإن صلحنا في إخراج ذلك النموذج صلحوا هم بالمقابل، والعكس صحيح.
همسة للآباء والأمهات.. احذروا أن تصبوا قهوتكم على أيديكم.
Yos123Omar@
كان هنالك شخص يتحدث بطريقة استجداء العطف من المحيطين حوله، بسرده روايات تراجيدية حزينة يلعب فيها دور الضحية.
وفي المقابل، ابنه الذي رباه وكساه وأشبعه ورعاه يلعب دور المجرم الذي أصبح يعيش بعيدا عنه مع زوجته وأبنائه، ويعمل في شركة معروفة ويتقلد منصبا مرموقا، ويتقاضى راتبا كبيرا. ويسترسل قائلا: إن ابنه قابل الجميل بالجحود والجمود، والنكران والنسيان، وعدم التواصل فترات طويلة.
الشاهد في الأمر، أنني لاحظت شيخا كبيرا يجلس في زاوية المكان، تبدو عليه آثار الزمان، قد تجاوز الثمانين من عمره، وبجانبه ابنه في عقده السادس تقريبا، وحفيده في ربيعه الثالث.
نهض الابن يصب القهوة العربية لوالده والضيوف، والحفيد يتبع والده حاملا صحن التمر يقدمه للموجودين، فإذا بصوت الجد مرتفعا موجها لابنه قائلا: انتبه يا وليدي «لا تصب القهوة على يدك» وما كان من الابن إلا أن صمت للحظات، وكأنه يترجم ما يعنيه والده الشيخ الكبير من تلك الجملة، فرد من حينه قائلا: «على راسي يا تاج راسي»، وتبعه الحفيد بالرد على والده وجده «زاد خيركم ودام عزكم وفضلكم يا ساسي».
هذا التسلسل التربوي الراقي من الردود المتوارثة لثلاثة أجيال لم يأت من فراغ.
هنالك مفارقات بين المشهدين بلا شك، ولكن دعوني أتناول تلك الحكمة التي تصاغ بماء الذهب، والتي علقتها على جدار ذاكرتي، وثبتها بحائط مشاعري: «لا تصب القهوة على يدك»؛ أي لا تؤذي نفسك من نفسك.
قد يجهل كثيرون خلال بث شكواهم للآخرين، سواء للمقربين أو البعيدين، لما يحصل من أبنائهم من تجاوزات وحماقات، والتي من المفترض أن نكون نحن الستر عليهم والغطاء.
فالآخرون إما أن يكونوا شامتين أو ناقمين، أو إنهم سلبيون لن يضيفوا شيئا من تلك الشكاوى سوى الإرهاق النفسي، والألم المشاعري المرتد على الطرف الشاكي.
لا تبنوا السدود أمام أبنائكم بسلوكياتكم، ولا تحدثوا الفجوة المؤدية للجفوة في نفوسهم، بإحراجهم وتصغيرهم والتسبب في فضح سترهم وتعرية مشكلاتهم وتصرفاتهم التي لا ترضيكم أحيانا، بل كونوا بجانبهم وامدحوهم وركزوا على ميزاتهم، وقدروا ظروفهم، فالحياة ليست باليسيرة، فجميعهم منغمسون في مشاغلهم والتزاماتهم.
أبناؤنا هم نتاجنا، ويجب أن نعلم يقينا بأن الله ـ جل في علاه ـ هو المربي في الأول والأخير، ندعوه بهدايتهم وصلاحهم، وما نحن سوى وسائل وأدوات نلقنهم ونعلمهم ونوجههم ونرشدهم، في مختلف مراحلهم العمرية، ونصنع نماذجهم ونقولها لهم، فإن صلحنا في إخراج ذلك النموذج صلحوا هم بالمقابل، والعكس صحيح.
همسة للآباء والأمهات.. احذروا أن تصبوا قهوتكم على أيديكم.
Yos123Omar@