نسرين محمد عبدالسلام

غذاء الصحة والروح: التلبينة النبوية بين الدين والصحة

الثلاثاء - 16 يناير 2024

Tue - 16 Jan 2024

في عمق التقاليد الإسلامية، تكمن وصفة بسيطة وغنية بالمعاني، وهي التلبينة.

هذا الحساء، المكوّن من ثلاثة مكونات رئيسة (دقيق الشعير، الماء، الحليب) يحمل قيمة غذائية وروحانية عالية، معززة بأحاديث نبوية تشير إلى فوائده للقلب والروح.

في هذا المقال، نستكشف أسرار التلبينة، من مكوناتها وطريقة تحضيرها، إلى دورها الصحي وأبعادها الثقافية.

التلبينة، حساء تقليدي في الثقافة الإسلامية والشرق الأوسط، يتم تحضيره عن طريق طهي الشعير المحمص المطحون مع الحليب والماء لدقائق عدة، ثم تحليته باستخدام العسل.

وسُميت «تلبينة» لأنها تشبه اللبن في بياضها.

دينيا، تُعد التلبينة النبوية حساء أوصى به سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ للتداوي عند وقوع أحداث حزينة، لأنها تريح القلب وتهدئه وتعمل على تخفيف الحزن.

شاع استخدامها بين العرب لتخفيف الاكتئاب والشعور بالحزن.

تعكس الأحاديث النبوية التي ورد بها ذكر التلبينة فهم الثقافة الإسلامية للعلاقة بين الغذاء والصحة النفسية، مما يجعل التلبينة أكثر من مجرد وجبة، إنها تعبير عن الراحة والرحمة والعناية.

لذلك تحمل التلبينة أهمية كبيرة على المستوى الديني.

صحيا، تبرز التلبينة كوجبة مغذية ومتكاملة تعزز الصحة الجسدية والنفسية. يتميز الشعير، المكون الرئيس للتلبينة، بفوائده الصحية، وإسهامه في تحسين الهضم وتنظيم مستويات السكر في الدم، ويعد مصدرا غنيا بالألياف. يحوي الشعير حوالي ثلاثة أضعاف كمية الألياف في كل حصة مقارنة بالشوفان، ويعد الشعير أغنى مصدر لنوع من الألياف الذائبة يُعرف باسم البيتا جلوكان، والذي يتميز بقدرته على خفض مستويات الكوليسترول. كما أن الشعير غني بالفيتامينات والمعادن، مثل فيتامينات ب، التي تلعب أدوارا مهمة في استقلاب الخلايا وتكوين خلايا الدم الحمراء. يحوي نصف كوب من الشعير (100 جرام) على 43% من الاحتياجات اليومية المرجعية للثيامين، و17% من الريبوفلافين، و23% من النياسين، و16% من فيتامين ب6، و5% من حمض الفوليك، و20% من الحديد، و33% من المغنيسيوم، و26% من الفوسفور، و97% من المنجنيز.

الشعير غني أيضا بمضادات الأكسدة، ويحوي تركيزا عاليا من مجموعة فيتامين هـ، التي تساعد في تقليل مخاطر الإصابة بالسرطان وأمراض القلب وتليف الكبد.

وفي القرن الحادي عشر، كتب العالم والطبيب المسلم ابن سينا في كتابه «القانون في الطب» عن التأثيرات العلاجية لحساء الشعير في علاج الحمى.

الحليب، المكون الآخر في التلبينة، يضيف قيمة غذائية عالية خلال توفير البروتين والكالسيوم، الضروريين لصحة العظام والأسنان. كما يحوي فيتامينات مثل فيتامين D وB12.

وأخيرا، إضافة العسل للتلبينة كمحلي طبيعي، يضيف خصائص مضادة للميكروبات، ويساعد في تعزيز جهاز المناعة.

على مستوى الثقافة العالمية، يحظى الشعير بأهمية كبيرة في مختلف الثقافات. يُستخدم في آسيا لصنع شاي الشعير المحمص، وهو مشروب آسيوي شهير، وفي أوروبا كمكون رئيس في الخبز والبيرة. في أفريقيا، يدخل في تحضير الخبز التقليدي، وفي الشرق الأوسط يستخدم في الحساء والخبز.

تظل التلبينة رمزا للحكمة الغذائية والروحانية، مجسدة العلاقة بين الغذاء والصحة. لفوائدها الصحية والعلاجية تبرز كجزء من تراث غذائي غني يتمثل عالميا خلال تنوع استخدامات الشعير ي مختلف الثقافات.

في عالم يزداد فيه الاهتمام بالأغذية التقليدية والصحية، تواصل التلبينة تقديم دروس قيمة حول البساطة، التغذية، والشفاء، ليس فقط للجسد بل وللروح كذلك.

هذا الطبق التقليدي يعكس بعمق التفاهم العريق للعلاقة بين الطعام، والراحة، والرفاهية، مما يجعله جزءا لا يتجزأ من الثقافة والتقاليد الإسلامية، ومثالا للغذاء الذي يتجاوز حدود المطبخ، ليصل إلى القلب والروح.
دمتم بصحة وعافية.

nmma3@