حجاز مصلح

الأدرينوكروم مؤامرة أم هوس بالمؤامرة؟

الاثنين - 15 يناير 2024

Mon - 15 Jan 2024

مؤامرة الأدرينوكروم، وهي نظرية غريبة ذات جذور معادية للسامية، تفترض أن النخب العالمية ومشاهير هوليوود تدير عصابة ضخمة للإتجار بالأطفال لاستنزاف دمائهم واستخلاص مادة الأدرينوكروم الكيميائية للبقاء صغارا.

تعود جذور نظرية الأدرينوكروم إلى مجازات معادية للسامية عمرها قرون، وهي تشهير الدم، الأسطورة القائلة بأن اليهود يستخدمون دماء الأطفال المسيحيين وغير اليهود في الطقوس، والتي تم استخدامها تاريخيا كمبرر لسجن وتعذيب اليهود وكانت عنصرا من عناصر الدعاية النازية.

وفي العصر الحالي، يتم الترويج لهذه النظرية من قبل أتباع QAnon، وهي حركة تروج للفكرة الخاطئة القائلة بأن نجوم هوليوود الشيطانيين والنخب السياسية يديرون العالم وينظمون حلقة للإتجار بالجنس مع الأطفال.

تطورت نظرية الأدرينوكروم على وسائل التواصل الاجتماعي على مدار العقد الماضي ولكنها ارتفعت بشكل كبير في عام 2020، ويرجع ذلك إلى الإغلاق الذي فرضه فيروس كورونا، والذي نشر فيه المشاهير صورا ومقاطع فيديو لأنفسهم من المنزل، دون أن يبدوا متألقين كالمعتاد، مما دفع أصحاب نظريات المؤامرة إلى ادعاء أن المشاهير يعانون من «انسحابات الأدرينوكروم» وأن القبعات البيضاء (أي البشر الأخيار) قد لوثت مخزون الأدرينوكروم الخاص بهم بفيروس كورونا.

لقد تم فضح نظرية الأدرينوكروم التي لا أساس لها من الصحة عدة مرات من قبل وسائل الإعلام والمجتمعات العلمية، الذين لاحظوا أن المادة الكيميائية، التي تنتج عن أكسدة الأدرينالين، ليس لها آثار للتجديد.

لدى الأدرينوكروم بعض الاستخدامات الدوائية المحدودة في عدد قليل من البلدان. فهو سهل التصنيع، ومتاح على نطاق واسع، وغير مكلف - ولا حاجة لاستخلاصه من الأطفال أو أي شخص آخر. قيمته كدواء غير مكلفة نسبيا في أحسن الأحوال.

وفي الولايات المتحدة، لم يتم إدراجه حتى على أنه مادة خاضعة للرقابة.
افترضت بعض الأبحاث التي أجريت في الخمسينيات من القرن الماضي أن الفصام قد يكون مرتبطا بمستويات عالية من الأدرينوكروم، وقد سمع عدد قليل من المؤلفين عن هذا الأمر وقرروا استخدامه في كتبهم - ولكن فقط بعد إضافة العنصر الخيالي لتأثير المخدرات.

دخل الأدرينوكروم إلى الثقافة الشعبية الحديثة مع رواية هنتر ثومبسون «الخوف والاشمئزاز في لاس فيغاس» عام 1971، والفيلم المقتبس عام 1998، وكلاهما يحتوي على مشهد يصور الأدرينوكروم على أنه مخدر مستخرج من البشر.

وحصد مقطع من مشهد استخراج الأدرينوكروم أكثر من 3 ملايين مشاهدة على موقع يوتيوب، مع وجود بعض التعليقات التي ربطت المشهد بنظرية مؤامرة الأدرينوكروم.

مثل نظريات المؤامرة الحديثة الأخرى، انتشرت نظرية حصاد الدم الأدرينوكروم على وسائل التواصل الاجتماعي.

ولكن بما أن الخيال ينتشر بشكل أسرع بكثير من الحقيقة، فمنذ ظهور الفيلم، اعتقد الناس خطأ أن الأدرينوكروم عقار ترفيهي.

من الصعب أن تعرف من أين تبدأ لمعرفة صحة هذا الأمر؛ لأن كل ما يتعلق بالاعتقاد عن أمر ما يعد أمرا خاطئا.

وليس خطأ فحسب، بل خطأ تافه؛ ثلاثون ثانية على المواقع الموثوقة في الإنترنت أكثر من كافية لإثبات الحقائق.

فالأدرينوكروم لا يستخدم كدواء ترفيهي، ولا يتم الحصول عليه عن طريق استخلاصه من الأجسام البشرية، ولا يوجد دليل على أن أي شخص في هوليوود حاول استخدامه كعقار ترفيهي، ولا يبدو أن هناك أي أطفال قد تعرضوا لاستخراج المواد الكيميائية من أجسادهم.

الشيء الوحيد الصحيح هو أن الأدرينوكروم مادة كيميائية حقيقية يتم إنتاجها عن طريق أكسدة الأدرينالين، (المعروف أيضا باسم الإيبينيفرين)، والذي يتم إنتاجه عندما يستخدم جسمك الأدرينالين.

وفقا لوصف المركز الوطني لمعلومات التكنولوجيا الحيوية. ومن المفترض حسب نظرية المؤامرة أن هذا هو السبب وراء تعذيب الأطفال أولا؛ لجعل أجسادهم تفرز الأدرينالين.

كانت شركة InfoWars والمعروفة بتنظير المؤامرات تأمل أن تأخذ هذا الارتباط - الضعيف جدا حتى أنهم لم يذكروه بشكل مباشر - كدليل على أن السياسيين ورجال المال والأعمال ومشاهير هوليوود كانوا يعذبون الأطفال ليشربوا دماءهم ويحصلوا على الأدرينوكروم.

الشيء المخيف هو أنها نجحت في ذلك واستطاعت التأثير على الكثير من اتباع نظرية المؤامرة.

فبمجرد حصول الأدرينوكروم على ختم موافقة InfoWars، أصبح موقع YouTube ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى جنة خصبة لمؤمني المؤامرات للترويج للسرد والبناء عليه بحرية.

أخيرا، كما هو الحال مع معظم نظريات المؤامرة التي لم يكن للحقائق أي علاقة بها. فنجد أن مؤامرة الأدرينوكروم لا تتعلق بالحقائق؛ بل تدور حول الحرب الطبقية.

ويؤكد ذلك استخدام منظري المؤامرات لمصطلحات مثل «النخب» على سبيل المثال لرسم السرد الذي يسعى إليه أولئك الذين يشعرون بأنهم مهمشون من قبل أولئك الأكثر ثراء، أو الأفضل تعليما، أو الأكثر نجاحا منهم؛ لذا فهم يتبنون نظريات المؤامرة التي تصور هؤلاء النخب كأشرار أصبح عقابهم وشيكا.

وهكذا نجد أنفسنا أمام درس مهم في أهمية التفكير النقدي؛ لنكون قادرين على تحليل الموقف وتقييمه بشكل موضوعي وفهمه بشكل أعمق مما يساعدنا في اتخاذ قرارات صحيحة، فكلما زاد إيمان الناس بنظريات المؤامرة كان التفكير بشكل منهجي ورؤية وجهات النظر الأخرى أكثر صعوبة.

@HIJAZMUSLEH