سعد المطيري

الاختطاف الخفي للقبيلة

الاحد - 14 يناير 2024

Sun - 14 Jan 2024

كلنا يعلم أن التعارف والتقوى اللذين هما ثمرة أن خلق الله الشعوب والقبائل، ولكن صناعة التكتلات وصياغة الخطوط المنظمة هو ما بدأ أن يكون واضحا وجليا في الحضور الإعلامي الموجه للقبائل الجدد، وأطلق عليها وصف الجدد لحداثة المسمى المشتق والمعروف انتسابا للقبيلة الأم وهي الأفخاذ الصغيرة والتي أصبحت في الآونة الأخيرة تتوشح مسمى القبيلة، كما أصبحت تتخذ الشعارات القبلية والعمل المؤسسي لها من منصات إعلامية منظمة حتى أصبح هذا الأمر يحمل صفة غريبة ومنعطفا تاريخيا في محيط القبائل الكبرى (الأم) حاملا معه صورا يميل بعضها للخلط التاريخي وخلق قوالب ماضوية بصيغ حديثه وتوجهات لا تمتد تاريخيا في الغالب لكنها تمتد وصفا إعلاميا فقط.
أبرز هذه التوجهات يكون في محاولة إيجاد واقع مختلف ومحاولة رسم الدوائر المناسبة للإطار القبلي المناسب لوضع القبيلة الجديد.. خلافا لكل الأفكار التي تستحث خطاها نحو المزيد من نهضة المجتمع فكريا وثقافيا واجتماعيا.
ومن ينظر لهذه الحالة الجديدة يلحظ أن هناك فئة تختطف المنابر الإعلامية مؤخرا وهي غالبا تعمل على مواقع التواصل الاجتماعي وتتوشح هموم القبيلة والدفاع عنها وشحذ الهمم للتبرعات بوسائل كثيرة وغايات بعضها مجهول، وكثيرا ما يقعون في أسلوب المزايدات بين أفراد الجماعة وكل ذلك باسم القبيلة ومصلحة القبيلة، كما تتركز جهودهم على ضرب الأطناب الجاهلية والتقليدية العمياء وتكريس (الهياط) بطريقة غير مألوفة، كما يعملون على إثارة الماضوية التاريخية وإصدار (شيلات) تستعرض فيها الدموية لتاريخ ما قبل العهد الرشيد الذي أنعم الله به علينا تحت راية الرجل العادل المغفور له الملك عبدالعزيز آل سعود وأبنائه البرره الذين جاؤوا من بعده حاملين معهم كل صور الخير والرشاد.
الحقيقة حينما يتسلط الضوء أكثر تجد علامات استفهام كثيره فمثلا يعمد هؤلاء المختطفون الى ترسيخ هذه القبائلية بوضع عدة مفاهيم يخلق منها التبعية والانصياع نحو كل الإملاءات التي يتم تصديرها للقبيلة دون النظر إلى آراء الآخرين المخالفين ولا بثمن الأمانة العلمية أو التاريخية ولا بأهمية العادات والتقاليد الماضوية، كما ينشأ من هذه المفاهيم على سبيل المثال لا الحصر رفع أعلام يكتب عليها اسم القبيلة الجديدة يرفع في كل محفل ويتم التلويح به في المناسبات ذات الحضور المكثف وكأنه كيان في معزل عن علم الوطن والدولة والذي يجب أن لا يضاهيه أي علم أو ينافسه أي شعار؛ لأنه أغلى الأعلام وأغلى الشعارات، والمهتم بشأن الوطن يعرف تبعات مثل هذه الأمور.
أيضا يتم وضع شخصية رمزية معينة يتم الاتفاق عليها بينهم ويحتفى بها ويخلق لها ترميزا معينا، حيث التميز في الاستقبال والتصوير المتقن والمخصوص لها، وكل هذا لا يحدث صدفة، بل بترتيب عميق ومرسوم، وهذا من شأنه غزو الأذهان بالأسماء الاعتبارية وانتشالها من الحالة العادية إلى الحالة غير العادية، ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل تتكون الولاءات للشخصية وتتسارع البراءات من كل مخالف ويحارب ويبعد كل من يختلف معهم بمجرد وجهة نظر، ناسجين بهذا الأمر منطقة حمراء لا تقبل النقاش وأشبه ما تكون بعش الدبابير وقد تغرد خارج سرب القوانين والأنظمة في بعض تصرفاتها، ومن يلحظ دائما هذه الاهتمامات دائما تنادي وتتحدث عن مشروعات القبيلة الجديدة والحفاظ على مصالح القبيلة، ويقومون بزرع بعض المفاهيم الخاصة (بما يريدونه هم) لا ما يريده النظام أو الجماعة التي هي غالبا متسقة مع واقعها ومنسجمةً مع العنوان الكبير (الوطن)، حيث إن هناك خيطا رفيعا بين واقع المواطنة ومتطلباتها وبين الواقع القبلي في بعض التوجهات التي تأخذ على عاتقها الهم القبلي المتجاوز للأنظمة بعض الأحيان، مثل محاولة إقامة (ملتقيات قبلية) أو (نداءات جمع أموال) دون أخذ الأذن الرسمي وهو عنوان معني بالانخراط في منظومة الأمن واتباع الأنظمة واللوائح حول ذلك.
ولا ينقطع بك العجب إذا رأيت أن المستويات العلمية والفكرية لهؤلاء (المختطفين الجدد) أقل بكثير من السواد الأعظم من القبيلة، حيث المستويات العلمية الإدراكية العالية والمعرفة الواسعة!! فإلى أين هذا الاختطاف؟