زيد الفضيل

ما الذي نريده ثقافيا يا سمو الوزير؟

السبت - 13 يناير 2024

Sat - 13 Jan 2024

أشيد بجهود وزارة الثقافة وهيئاتها الرسمية الإحدى عشرة وقطاعاتها المختلفة، والتي قدمت خلال السنوات الفارطة عملا واسعا في سبيل تنمية الثقافة وجعلها جزءا من هوية مجتمع ظل عقودا مشوشا في ثقافته، وتتجاذبه أفكار من هنا وهناك.

كما أجدها فرصة مع انقضاء خمس سنوات من تكوين وزارة الثقافة بثوبها الجديد برئاسة سمو الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان آل سعود أن أطرح سؤالا محوريا أتصور أن الوزارة بحاجة إلى مراجعته وهو: ما الذي نريده ثقافيا؟
وهل ما أردناه كان هو الأفضل؟ وكم حققنا منه خلال السنوات الخمس؟ مراجعة كهذا هي أحوج ما تريده أي مؤسسة تنشد بلوغ الكمال، وأحسب أن وزارة الثقافة تستهدف تحقيق ذلك.

في جانب آخر، فلا زلت أردد بأننا في المملكة العربية السعودية قد قطعنا شوطا كبيرا في مشوارنا الثقافي، ونملك إرثا زاخرا من التجربة يمكن أن نستفيد منه، ولا نحتاج إلى أن نعيد اختراع العجلة كما يقال، وأذكر أني قدمت ورقة في مهرجان سوق عكاظ عام 2007م باسم نادي جدة الأدبي الثقافي على عهد رئيسه الأديب الدكتور عبدالمحسن القحطاني، وتطرقت فيها إلى أهمية تحديد الغايات من أي عمل ثقافي، وأن الرؤية الاستراتيجية الواضحة ستحقق المراد بأسرع وأجود طريق أيضا، وضربت لذلك أمثلة من بعض النشاطات الثقافية في دول الجوار.

واليوم وبعد هذه السنوات الطوال أجد أن الأمر لم يتغير، بل لعل تكريس الثقافة في جانب اللغة وآدابها بات هو الثابت في مختلف اللقاءات والمهرجانات القائمة في وطننا وخارجها، وهو ما يشعر غير المتخصصين في اللغة وآدابها بخيبة أمل كبيرة، بل ويفقدون معها الرجاء في الانتقال من منصة الحضور إلى منصة المشاركين.

أشير إلى أن ضبابية الرؤية قد انتقلت إلى قناة الثقافية التي من المبكر الحكم عليها جملة، لكن أن تقرر إعادة برنامج «أمير الشعراء» الإماراتي في صورة هزيلة، فذلك أمر معيب، إذ تغيير المسمى لن يلغي حالة المقارنة من ذهن المتابع، والأسوأ ما رأيناه من مزايدة ممجوجة بين شاعرين كبيرين وهما جاسم الصحيح وروضة الحاج، في ظل صمت لجنة تحكيم أحست بالعجز في إصدار حكم كان يجب أن يصدر طالما وأن الكرة قد وصلت إليهم.

في هذا السياق فلم تكن الثقافية في حاجة إلى استنساخ برنامج تم تقديمه من قبل، وكان يمكنها أن تركن إلى موروث المملكة الثقافي وتغرف منه ما تشاء، ومن ذلك «سوق عكاظ» الذي يمثل خصيصة سعودية عربية ليس لأحد من الدول مثله، ويمثل عمقا وجدانيا عربيا تهتز له أفئدة الشعراء من المحيط إلى الخليج، فعكاظ التاريخ والحضارة رمز ثقافي كبير، وسبق وأن أنتجته المملكة بدعم ورعاية من سمو الأمير خالد الفيصل، وصدرت جائزة باسمه تنافس عليها كبار الشعراء العرب، وكم كان سيروقني وغيري لو أن القناة خرجت عن سياق تقليدي، وقدمت برنامجا مسابقاتيا بصورة تراثية باسم «خيمة النابغة»، وابتعدت عن ذات التنميط في الإخراج المسرحي، وتخلت عن طاولة تنظير النقاد الذين مع احترامي الشديد لهم، لم يعودوا بقدرة من سبق في النسخة الأولى من أمير الشعراء، حقا كان سيكون ذلك أفضل وأجدى.

ختاما، ما أحوج مشروعنا الثقافي إلى أن يتدبره إداري مثقف، امتلك القدرة على خلق الأفكار، وحوى في داخله عمقا معرفيا كبيرا، ومخزونا تراثيا ثريا، وإدراكا واسعا بجوانب ما ينتمي إليه؛ في حينه سنبدأ بتجويد مشروعنا الثقافي وفق رؤية سليمة، وتدرج منطقي، يصل بنا إلى قمة الهرم المنشود.

وجهة نظر أرفعها بكامل الإيمان لسمو وزير الثقافة، وكلي ثقة بأنه خير من يتفهمها، ويدرك قيمتها، ويسعى للعمل بها.

zash113@