علي المطوع

الضرب في اليمن والألم في قناة السويس

السبت - 13 يناير 2024

Sat - 13 Jan 2024

شرعت الولايات المتحدة الأمريكية، صباح الجمعة الماضي، في تنفيذ ضربات جوية على بعض المواقع الحوثية في اليمن.

المبرر هو ضمان حرية الملاحة في البحر الأحمر، ومنع الحوثيين من التعرض للسفن التجارية العالمية بسوء.

المتابع لهذه الضربة وما سيعقبها من ضربات، يلحظ أنها تظل ضربات محدودة وغير مؤثرة، فقبل موعد الضربة كانت الصحف الأمريكية ومعها بعض المحللين ولفيف من القنوات، تبشر الجميع بهذه الضربة وعن اقتراب موعدها، وهذا ما جعل عنصر المفاجأة منتفيا عنها، ومنافيا لطبيعة الحروب وما تتطلبه من سرية وأسلوب خاطف، يؤلم الخصم ويجعله يعيش الصدمة فترات زمنية قبل أن يعيش ألم وخسائر تلك الهجمات.

النتيجة حتى الآن، أن الملاحة في البحر الأحمر تشهد انخفاضا ملحوظا في عدد السفن التي تمخره باتجاه قناة السويس أو العكس. فالأرقام تقول إن 12% من التجارة العالمية تمر عبر هذا البحر، وإن عدد الحاويات في البحر ذاته في أثناء هذه الأزمة بلغ 200 ألف حاوية يوميا، مقارنة بعددها في نهاية نوفمبر، والذي وصل إلى 500 ألف حاوية يوميا!.

على الطرف الشمالي من الأحداث الجارية في البحر الأحمر، وتحديدا في قناة السويس، الأرقام الصادرة من إدارة القناة تقول إن حركة السفن في القناة في هذه الأزمة قد انخفضت بنسبة 30%، وهذا ما انعكس على دخل القناة والذي انخفض أيضا وبنسبة 40%، قياسا بالفترة ذاتها من العام الماضي 2023، علما بأن مصر تجني قرابة 9.5 مليارات دولار كعائدات سنوية من قناة السويس، وهذا يؤكد ويعكس أهمية هذه القناة للاقتصاد المصري، المتأثر أصلا بأزماته المزمنة.

الحوثيون من جانبهم يصرون على المواجهة غير المتكافئة، في ظل تنديد إيراني خجول على الهجمات الأخيرة، وهنا سيصبح البحر الأحمر بحيرة معطلة حتى إشعار أمريكي آخر، و إلا ما معنى أن يُستهدف الحوثي في هذا التوقيت بالذات، ولماذا لم تتجه الولايات المتحدة لحل دبلوماسي مع إيران، المستعدة دائما لأي إشارة إيجابية تصدر من واشنطن، أو تعيد أمريكا سيناريو رفع علمها على الناقلات إبان حرب الخليج الأولى، والتي سهلت مرور شاحنات النفط من مضيق هرمز أعواما عدة دون أن تمس بأذى؟!

شيء من الجواب يكمن في كون هذه الحرب بالنسبة لأمريكا تظل وسيلة تخدم غايات أخرى في المنطقة، ولكن ما هي تلك الغايات؟.

أعتقد أن العدوان على غزة هو الحدث المحوري الذي تراقبه أمريكا، وتريد إنهاءه بطريقة تضمن بقاء إسرائيل الدولة الأقوى في المنطقة، لتستكمل مشاريعها العدوانية القادمة.

هذا العدوان لم يسجل حتى الآن أي نتيجة إيجابية توضع في خانة المكاسب الاستراتيجية لإسرائيل، فحماس باقية، والرهائن الإسرائيليون ما زالوا تحت الأرض لا يعرف عنهم شيء حتى الآن، والأهم والمزعج بالنسبة لإسرائيل أن سكان غزة باقون حتى الآن في أرضهم، وهو الشيء الذي ما زال يجعل العدوان على غزة دون معنى أو فائدة تذكر بالنسبة لنتنياهو وحزبه!.

من هنا، يحضر في المخيال السياسي لأي متابع للأحداث موقف مصر الواضح من التهجير، هذا الموقف الذي خيب آمال أمريكا وحليفتها إسرائيل، وأجهض مشروعهما التوسعي الجديد في المنطقة العربية وبذرته غزة، كون هذا القطاع الصغير كان وما زال يراد لأهله النزوح قصرا باتجاه أرض التيه سيناء المصرية!.

الحرب في جنوب البحر الأحمر تعني تعطيلا لأهم مورد اقتصادي لمصر، وهو قناة السويس، وهذا سيسهم بالضغط على اقتصاد مصر، على الأمدين القريب والمتوسط، وربما يجرها إلى المصادقة (مجبرة) على حالة التهجير لأهل غزة التي تسعى إليها إسرائيل منذ و قت طويل.

وعدوانها الأخير وما سبقه من سيناريوهات، يخدم هذا الهدف الاستراتيجي الذي تباركه أمريكا وتدعمه دبلوماسيا وعسكريا، وآخرها الأحداث الجارية التي انخرطت فيها الجمعة الماضي في اليمن وباب المندب تحديدا، بهدف تعطيل الملاحة البحرية في البحر الأحمر، لحرمان مصر المنهكة اقتصاديا من موردها المهم الذي كانت وما زالت تعتمد عليه في مقاومة متاعبها الاقتصادية المزمنة، والمنعكسة سلبا على المجتمع المصري وإنسانه.

alaseery2@