عبدالله العولقي

الإقطاع الرقمي والاقتصاد الخوارزمي

الثلاثاء - 09 يناير 2024

Tue - 09 Jan 2024


في المقال السابق تحدثنا عن الصراع بين الشرق والغرب حول رسم مستقبل النظام العالمي القادم، وختمنا الحديث أن المنتصر من هذا الصراع من سيمتلك زمام التقنية كالذكاء الاصطناعي، فقد أضحت التقنية هي المجال الاستراتيجي الأول للدول المتنافسة، ويكفي أن ندرك أن أقوى الشركات العالمية هي شركات التقنية والتي بدأت تتحول إلى حالة إقطاعية كما يرى بعض الاقتصاديين، بمعنى أن الوضع الحالي يشبه الحالة التي كانت سائدة في أوروبا خلال القرون الوسطى، حيث تحولت الخوارزميات الرياضية التي تتأسس عليها هذه التقنية إلى اقتصاد ضخم يتجاوز ميزانيات بعض الدول الفقيرة!!
قبل الثورة الصناعية كان النظام الإقطاعي هو الاقتصاد السائد في أوروبا، حيث يقوم على ملكية الأرض التي يمتلكها مجموعة من الأفراد النبلاء بينما يقوم على فلاحة الأرض وزراعتها آلاف العمال والعبيد الذين يكدحون كامل نهارهم مقابل أجر زهيد، وعند الحصاد يستأثر أولئك الملاك بريع الأرض كاملا، لكن الرأسمالية التي عمت أوروبا لاحقا بشقيها الصناعي والتجاري ألغت نظام الإقطاع نهائيا، وأقرت مبدأ منع الاحتكار ومساواة الفرص التجارية بين الجميع، لكن يبدو أن قطاع التكنولوجيا الذي يتسيد النظام الاقتصادي العالمي حاليا قد أعاد الاحتكار بصورة جديدة إلى الواجهة، وأصبحنا أمام حالة جديدة قد نطلق عليها الإقطاع الرقمي.

يتكون الإقطاع الرقمي من ملاك شركات التكنولوجيا العملاقة وخصوصا فيس بوك وقوقل وآبل وأمازون وعلي إكس برس، أي الشركات التي تقيم مولات وأسواق تجارية افتراضية على منصاتها الالكترونية، وبفضل الاقتصاد المتضخم الجديد وأعني اقتصاد الخوارزميات بدأت هذه الشركات بتتبع تحركات وسلوك الأفراد والمجتمعات من أجل السيطرة على سلوك المستهلك والتنبؤ برغباته الشرائية، يقول البروفيسور شوشانا زوبوف في كتابه عصر الرأسمالية المراقبة بأن الفرد لم يعد عميلا ولا حتى منتجا في قطاع التقنية بل أصبح بذاته هو المادة الخام، لقد أصبحت الخوارزميات تتحكم في كل شيء!!
نظرة سريعة نحو متجر أمازون أو علي إكسبرس وستجد نفسك أمام ملايين المحلات والمتاجر الافتراضية وكلها مملوكة كعقار افتراضي للوردات الجدد جيف بيزوس أو جاك ما، صحيح أنهما لا يمتلكان البضائع بيد أن لهما نسبة مالية معينة من كل عملية بيع تتم من خلال هذه المتاجر!!
هناك أيضا منصات أخرى مثل فيس بوك وتيك توك وقوقل وغيرها تمتلك حصتها الهائلة ضمن إقطاعية التكنولوجيا، وتستعمل خوارزميات كشف سلوك المستهلك في منصاتها الالكترونية، هذا التضخم الهائل في قدرات شركات التقنية أصبح مصدر قلق حتى للحكومات الغربية، وقد حذر الاقتصادي الفرنسي سيدرك دوراند من خطورة الإقطاعية الرقمية وأنها قائمة على الريع والافتراس والسيطرة!! بينما يرى الاقتصادي اليوناني يانيس فاروفاكيس في كتابه الإقطاع التكنولوجي أننا أصبحنا كمستخدمي للمنصات الافتراضية مثل العمال الذين كانوا يكدحون في مزارع النبلاء زمن الإقطاعية، إنهم يجنون من ورائنا ثروات ضخمة، إنهم يستغلون رأسمالهم السحابي لجعل البشرية كلها تعمل لصالح تضخم ثروات تلك الشركات.

في الختام.. قد تكون نظرة هؤلاء الاقتصاديين حادة بشكل ما، ولكن يمكن القول أن فيها كثير من الصواب ينبغي إدراكه والوعي به.


albakry1814@