بفضل "شبة النار" العادة العربية الأصيلة؛ جادت قريحة الشعراء بقصائد جزيلة بعد أن ادفئت احاسيسهم في الليالي الدهم، لتكون روحًا للشعر النبطي تضيء قوافيه وتوقد معانيه وتدثر أبياته، وتمنحه بعداً جمالياً يثري الحقل الأدبي.
كما أن هذه الممارسة التقليدية استحضرت القهوة السعودية التي طهيت على نيرانها، لتتجلى مجموعة من العادات العريقة في نفائس حسناء ولوحات فنية ملحاء؛ منها ما نظمه الأمير الشاعر محمد الأحمد السديري، حين وصف مشهداً بهياً بطله الضوءالمتقد، الذي يسترعي أنظار العابرين في عتمة الليل، وهو يطلب من صديقه طهي القهوة، وفي أعقاب ذلكسيأتي إليهم من يشاركهم شربها، فيقول:
قم يا محيسن شب نار المعاميل
وصفصف عليها السمر من زين الاخشاب
إن ولعت واستضرمت باللهب حيل
يجذب سناها بالدجى كل شراب
كما تصدر من هذه الممارسة الثقافية أجراس موسيقية كصوت "عويل النجر" أو ما يعرف بصوت النجر، إلى جانب أصوات قرقعة الفناجين؛ صوّرهاالشيخ الشاعر تركي بن حميد مسحوراً بهذا المناخ البديع الذي تطرب له النفس، قائلاً:
ياما حلا ياعبيد في وقت الاسفار
جذب الفراش وشبّ ضوّ المنارة
مع دلهٍ تجذا على واهج النار
ونجر إلى حرّك تزايد عباره
وواصل الشعر النبطي ببلاغة أدواته وحسن بيانه توثيق دلالات " شبة النار" التي تومئ إلى الكرم والسخاء، حيث إن المضيف يشعلها استعداداً لاستضافة القادمين إليه، وفي هذا السياق نلحظ لفظ "المسايير" يتكرر في القصائد، وهم الضيوف، ونقرأ في أبيات الشاعر غازي بن عون تشوقه إلى إقبال الناس إليه إذ يأمر أبنه بإشعال النار، قائلاً:
ياريف قلبي للمسايير قم شب
وحط المناره في طويل الضلالي
عقبن تشق لها لجزل للحطب جب
وهات النجر وأحضر جداد الدلالي
وتتابعت الأبيات التي ترصد جمالية إيقاد النار وتجهيز القهوة، حتى أصبح هناك أيقونات شعرية منها ما قاله الشاعر دغيم الظلماوي:
يا كليب شب النـار يا كليـب شبـه
عليك شبه والحطب لـك يجابـي
علي أنـا يا كليـب هيلـه وحبـه
وعليك تقليط الدلال العذابي
فيما عُرف عن الشاعر عايض ابو قلوب العطاء والبذلرغم فقره المدقع، وقد قال لزوجته مرة: "إذا جاء الضيف جاء الرزق" ولم يتوان عن الترحيب بضيوفه من خلال شبة النار حتى وأن كان لا يملك ما يقدمه غيرها وقال عن ذلك:
الضو لا شبت فنصف الكرامه
والنصف لاخر ماتيسر من القوت
وفي الوقت الحاضر استكمل المجتمع السعودي إذكاء شبة النار، فخصصوا في مجالسهم ما يعرف "بالوجار" وهي مساحة دائرية أو مربعة مجوفةيضرم بها النار، وبدورهم.. أتى الشعراء على ذكرها، مثل الشاعر محمد بن شلاح الذي قال:
إمل الوجار وخلي الباب مفتوح
خوف المسير يستحي لاينادي
وفي حين أن الشعر النبطي وسيلة بارعة لتوثيق عادات وقيم المجتمع السعودي؛ أعلنت وزارة الثقافة عن تنظيم مهرجان الشعر النبطي ضمن مبادرة الشعر العربي، وذلك في منطقة القصيم، حفاوة بهذا الفن البليغ ودوره المحوري في الثقافة السعودية.
الأكثر قراءة
الأحساء تعزز مكانتها كوجهة سياحية رئيسية بـ 5 مناطق مميزة
النصر عاد للواجهة والشباب بطلا لبراعم التايكوندو
شركة إيديكس تفوز بعقد تطوير البنية التحتية للمرحلة الأولى من المنطقة اللوجستية بميناء جدة من شركة DP World Logistics
شركة سامي نافانتيا تُطلق نظام حزم الجديد HAZEM Lite CMS
مبدعون سعوديون يعرضون قصصهم المُلهمة نحو منصات الأزياء العالمية
السعودية تخطو خطوات ثابتة نحو الاستدامة البيئية ومكافحة الانبعاثات الكربونية