خالد العويجان

لبنان ولعنة الدم الغابر

السبت - 06 يناير 2024

Sat - 06 Jan 2024


أرباب الحرب بددوا هواجس ابتعادهم عن المشهد. هم حاضرون في السراديب، وفي الصورة القاتمة، والقواميس وعناوين أخبار الموت.

قالت الطائرات الإسرائيلية كلماتها بالصواريخ. في غزة، وسوريا، والساعات الماضية في لبنان؛ حيث شجرة الأرز، وصوت فيروز، والطرابيش الحمراء.

ودولة اللا دولة، والبوصلة الضائعة؛ وصناديق البريد المفخخة، ورائحة البارود التي اتسمت بها الدولة الموصوفة بأنها بلا رأس.

كتبت طائرات إسرائيل الموجهة عن بعد نهاية حياة أحد قادة حركة حماس.

ليس في غزة، أو الضفة أو أريحا؛ إنما في ضاحية بيروت الجنوبية، حيث معقل حزب الله، وحيث الدولة في قلب الدولة، وحيث الرايات «الحسينية» المظلومة، وحيث السيد القابع في الأقبية تحت الأرض ومستقرات الجرذان.

في ذلك حسب تصوري؛ محاولات لتوريط دول أخرى في الحرب الدائرة بغزة منذ أكثر من شهرين.

وأعني أن استضافة قادة من حركة حماس وتوفير الحماية لهم على الأراضي اللبنانية؛ هو بالمفهوم السياسي والأمني خطأ فادح.

صحيح أن المواجهة مفروضة بين إسرائيل ولبنان؛ لكنها ليست في حالة سعير، إنما تعيش مراحل من الهدوء الذي كثيرا ما سبق العاصفة.

أقصد أن فتح مزيد من الجبهات في الحرب مع تل أبيب قضية مرهقة للشارع العربي الذي سئم الهزائم المتكررة التي تفرضها موازين القوى بين هذا وذاك.
والأمر في حقيقته يذكرنا بحرب 1982، حين اتخذت الحكومة الإسرائيلية، قرار شن حرب كاسحة ضد لبنان، لكسر شوكة منظمة التحرير الفلسطينية؛ في أعقاب أن حاولت الأخيرة – أي المنظمة – اغتيال سفير تل أبيب في بريطانيا.

وفي ذات العام قتل أكثر من 14 ألفا من اللبنانيين والفلسطينيين، ونتج عن تلك الحرب الشعواء ما يسمى بمجازر «صبرا وشاتيلا»، وتسببت تلك الحرب بولادة «ميليشيات حزب الله الإرهابية».

قد تكون نشأة حزب إرهابي كحزب الله، من شأنها تحقيق مصالح إسرائيلية يجهلها العوام ويعيها الساسة، لكن في المقابل، ذلك خلق قاعدة لأن يتنامى شعار المقاومة «المزيف» الذي ركبه الحزب وبعض الدول المجاورة، إلى أن بلغ الأمر بتلك الميليشيات، أن تحول نظرتها للاستكبار على شعوب المنطقة.

ما الدليل على ذلك؟ الدليل مهاجمة دول الخليج على الدوام من قبل رموز المقاومة، وأخص بالذكر السيد حسن نصر الله زعيم ميليشيات الحزب المتطرف في لبنان، هذا من جانب.

ومن آخر؛ الجرأة التي يسير وفقها على الشعوب العربية، كالشعب السوري، الذي تحولت بندقية المقاومة إلى صدرة، تحت ذريعة مواجهة التنظيمات المتطرفة في سوريا؛ بينما كان الهدف شعبا أعزل لا يملك إلا النظر إلى السماء.

أعتقد أن هذين المشهدين كفيلان بكشف حقيقة استكبار ما يسمى «محور المقاومة»، وحزب الله على رأسه.

صحيح قضيتي هذا اليوم هي الخطوة الإسرائيلية التي أدت إلى قتل أحد قادة حماس على الأراضي اللبنانية، ومن هذا المنطلق لا يمكن أن يكون الأمر بمعزل عن حزب الله، الذي بطبيعة الحال هو من يملك قرار توفير الأمن والحماية لذلك الشخص، باعتبار أن الحزب هو المتصرف والحاكم للبنان بقوة السلاح و»الزعرنة» التي يمارسها بحق اللبنانيين.

وسؤال الوقت الافتراضي الذي يمكن استنتاجه من كل ما سبق؛ هو ماهي المكاسب التي جناها ذلك المحور من اتساع رقعة الانتهاك الإسرائيلي؛ للشمال العربي؟ الجواب: لاشيء؛ أكثر من ظلام سياسي وإنساني، ومزيد من إيذاء الأبرياء والمدنيين.

السؤال الآخر؛ ماذا تحقق من أهداف المقاومة؟ الجواب: ليس أكثر من تحويل تلك الدول إلى ساحة صيد، تحقق بنهاية الأمر فرصا مجانية لتدريب سلاح الجو والجيش الإسرائيلي.

يمكن الجزم بأن الخذلان بات هو الفكرة الرئيسة لذلك المحور الذي بكل أسف انطلقت رؤيته المحورية من لبنان، وهذا ليس وليدا للحظة، إنما واضح ومكشوف للمراقب للملف اللبناني، الذي يعتبر ملفا على رغم تدني قيمة الدولة المفككة؛ إلا أنه يعد ذو أهمية لدى دول المنطقة، من باب العروبة الكبير، الذي يفرض أخلاقيا نوعا من الحرص السياسي على قطعة «فسيفساء» تعود لهذا الجزء من العالم.

إن تحويل ذلك الجزء من العالم العربي لصندوق بريد هدفه تصفية حسابات الآخرين مع الأعداء الافتراضيين؛ ومنصة لاختبار قوة الحق، ومقارعة بطش القوة، لهو خديعة كبرى ومقيته للعرب دون استثناء.

لذا يجب نحر ونسف فكرة أن بعض الميليشيات؛ كحزب الله، قوة ضاربة، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا بقطع اليد التي يتصور صاحبها أن له الحق بصفع الكل. وتبخر بالله صبوا هالقهوة وزيدوها هيل.

على الأقل لتجنيب لبنان؛ لعنة الدم الغابر. قولا واحدا.

مع السلامة.