وليد الزامل

سمسار بين سوق الأراضي والأغنام!!

السبت - 06 يناير 2024

Sat - 06 Jan 2024


أثناء انشغالي بقراءة أحد بحوث الطلاب في برنامج التطوير العقاري بقسم التخطيط العمراني رن جرس الجوال منبئا عن وصول رسالة عبر تطبيق الواتس أب. الرسالة كانت من أحد سماسرة بيع الأراضي نصها يقول: «للبيع راس بلك تجاري الموقع شارع 60 جنوبي.. ممكن يبيعك راس خمس قطع على السوم».

للوهلة الأولى ظننت أن كاتب الرسالة هو سمسار متخصص في بيع الأغنام، أو ربما عامل توصيل، أو مطعم لبيع رؤوس المندي.

لم أستوعب الرسالة تماما؛ لذلك قمت بمراجعة طلبات المنزل لعل هناك من طلب وجبة رأس مندي دون أن أعلم، ثم رجعت مرة أخرى لأتأكد واقرأ النص بعناية؛ لأجده عبارة عن ترويج إعلاني لبيع البلوكات وقطع الأراضي التجارية! شتان بين مصطلحات علمية تقرؤها في بحوث ودراسات رصينة وما بين (بعض) الإعلانات العقارية التي يصعب تفسير طلاسمها.

في الحقيقة، هذه رسالة واحدة من آلاف الرسائل التي نقرؤها يوميا في وسائل التواصل الاجتماعي وإعلانات السمسرة على الأراضي.

مادة إعلانية غير منضبطة، أسلوب مهلهل، ولغة ركيكة، أخطاء إملائية، وخرائط توضيحية مأخوذة من مصورات جوية وملونة بطريقة بدائية تسافر بنا عبر الزمن من عصر نظم المعلومات الجغرافية والبيانات المكانية المتقدمة إلى عصر رسومات الكروكي والأحبار السائلة ومطابع الكبس.

إن المفهوم المغلوط للتطوير العقاري لدى (البعض) لم يقتصر على إنتاج مخططات سكنية وتقسيمات أراض ذات أنماط تخطيط لا تراعي التباين الاقتصادي والمكاني والاحتياج النوعي فحسب؛ بل تواكب ذلك مع آلية الإعلان والسمسرة على الأراضي والبلوكات التجارية بطريقة بدائية.

أصبحت قنوات التواصل الاجتماعي تتسابق في بيع وإعادة بيع الأراضي وتداولها بين التجار لفترات زمنية طويلة دون تطوير حقيقي للأرض.

بات التعامل مع الأرض كوسيلة استثمارية تدر أرباحا مستديمة، وانتفت الحاجة إلى تقديم منتج عقاري ملموس؛ وهو ما أسهم في زيادة نسبة الأراضي البيضاء التي يقال عنها مُطورة باعتبارها مخدومة بشبكات البنية التحتية والخدمات، ولكنها في الواقع أراض جرداء تعطل التنمية ولا تقدم مخزون عقاري نفعي للمدينة.

اليوم، وفي ظل الرؤية الوطنية 2030 أصبح «التخطيط العمراني» منهج لا مناص منه للارتقاء بمدننا وتحويلها إلى بيئات مستدامة تراعي التوازن بين البعد الاقتصادي، والاجتماعي، والبيئي.

لم يعد توفير المخططات السكنية التقليدية ذات الطرق المتعامدة والبلوكات المستطيلة غاية في مدن سعودية أصبحت تسابق الخطى نحو مفهوم المدن العالمية؛ بل أصبح الهدف الأسمى هو تنمية المجتمع وخلق فرص وظيفية ترتقي بجودة الحياة.

أصبح العمل على قدم وساق في إعادة تهيئة وتطوير الأحياء السكنية القائمة والتي طالما تأثرت سلبا بالنهج العقاري التقليدي لعقود طويلة.

في الحقيقة، إن ميزانية الصرف الإعلاني العقاري يفترض أن تتناسب طرديا مع سعر المنتج.

بعبارة أخرى، كلما زاد سعر المنتج العقاري زاد حجم الإنفاق على البرامج الترويجية واستخدمت وسائل إعلانية مبتكرة وجذابة؛ إذ ليس من المنطقي بيع منتج عقاري باهظ الثمن دون إنفاق ميزانية ترويجية ترتقي ومستوى هذا الارتفاع السعري.

إن الإعلان العقاري هو جزء من منظومة شمولية يقتضي تطويرها التأكيد على تحديث التشريعات العمرانية وإجراءات التطوير العقاري بما يستجيب للتحولات التي تشهدها المدن السعودية.

في الختام، لعلي أتساءل: كيف يمكن الارتقاء بجودة الإعلانات العقارية وخاصة مصطلحات البيع والتداول لهذه الأراضي؟ أليس من الأولى عرض مادة إعلانية خلاّقة توازي الارتفاع الصاروخي للأسعار؟ عجبا، الأسعار تبدأ من الملايين وهؤلاء يبيعون الأراضي وكأنهم في سوق الأغنام!



waleed_zm@