خديجة سليمان الهلالي

طفل أمة اقرأ يقرأ

الأحد - 31 ديسمبر 2023

Sun - 31 Dec 2023

تعتبر القراءة في مرحلة الطفولة من أهم أدوات تحصيل المعرفة، وأحد أسباب نمو القدرة التعبيرية، وعاملا مهما لزيادة الثروة اللفظية، كما أن لها تأثيرا في تكوين الشخصية، كونها وسيلة اتصال وتعلم ذاتي، وتشبع في الأطفال حب المعرفة والاستطلاع، وتغرس في نفوسهم القيم والأخلاق، وتنمّي لديهم الإحساس بالجمال، بالإضافة إلى اعتبارها وسيلة تسلية ممتعة.

إن غرس حب القراءة مبكرا في الأطفال، يمنح الطفل السبق في توسيع مفرداته وبناء الاستقلال والثقة بالنفس.

فبناء مجتمع قارئ يبدأ من الطفولة، فمن لم يقرأ ويتعود على القراءة في صغره يندر أن يتحول إلى قارئ جاد في كبره، فالأطفال الذين يقرؤون الكتب كل يوم، عندما يكبرون يصبحون أذكياء في كل الأحوال، فإلى كل مهتم بالجيل، اعلم أن زرعك لبذور ثقافية صحيحة في الجيل الحالي، معناه أن نجني جميعا نهضة شاملة يحققها جيل الغد ونستمتع بها، عندها نسعد جميعا بأمة اقرأ وقد نافست في مجال الحضارة من جديد، لأنهم أدركوا مقتضيات قوله تعالى اقرأ، كما هو اليوم «السعودية نحو الفضاء»، حين سئل أحد الفلاسفة الفرنسي عمن سيقود الجنس البشري، أجاب (الذين يعرفون كيف يقرؤون)، ولله الحمد والمنة دولتنا اليوم تسمى السعودية العظمى، بقيادة حكومتنا الرشيدة ورؤيتها الفريدة.

إن القراءة غذاء للعقل والنفس، فهي أداة من أدوات الاتصال بنتاج العقل البشري ومؤشر من مؤشرات الرقي والنمو الاجتماعي والعلمي، فلذا هي من أهم المهارات الأساسية التي يجب أن يتعلمها الطفل، وتعتبر خطوته الأولى نحو التعليم، والطفل القارئ هو طفل واثق بنفسه، جريء، يحترم نفسه إلى حد بعيد، قادر بكل سهولة على الانتقال من نجاح تعليمي أو وظيفي إلى نجاح أكبر.

فالقراءة تنمي ذكاء الطفل، حيث أكدت دراسة حديثة أن متابعة القراءة منذ الصغر يمكن أن يزيد من مستويات الذكاء العام عند الطفل، ويقوّي القدرات المعرفية العامة لدى الإنسان فيما بعد، وقد أبرزت نتائجها أن كل طفل توأم يواظب على القراءة بشكل أكبر من توأمه، حصل على نتائج أفضل في اختبارات الذكاء العام.

ومن المؤسف أن أطفالنا اليوم لا يعيشون الاسترخاء الذهني والصفاء العقلي والهدوء الجسدي، مع كم التكنولوجيا التي يصارعونها يوميا، فإن الحركة المستمرة والأضواء الساطعة والضوضاء التي تقصف بحواسهم عندما يشاهدون التلفزيون أو ينظرون إلى جهاز كمبيوتر أو لعبة الكترونية هي في الواقع مرهقة للغاية لأدمغتهم.

وهنا تكمن أهمية غرس قيمة القراءة وتعزيزها في نفوس أطفالنا لأن القراءة كما أجمع الخبراء والاختصاصيون بأنها تريح أجسادهم وتهدئ عقولهم وتنير بصيرتهم، إذ تجعلهم يفكرون بشكل أعمق، عندما يجلسون بهدوء ويتابعون قراءتهم بانتظام.

إن مفتاح العلم هو القراءة، وحيث إن التركيبة النمائية للطفل في علم النفس تؤكد أن الفضول المعرفي عند الطفل كبير جدا وينبغي استثماره، حيث إن طفل الخمس سنوات يتعلم 5 آلاف مفردة سنويا بينما البالغ يتعلم 150 مفردة جديدة فقط.

وإذا أخذنا بعين الاعتبار الحقائق والإحصائيات التي تؤكد أن 8% من أطفال الشرق الأوسط يقرؤون.

وبفضل الله تم إضافة فترة القراءة الجهرية من ضمن فترات البرنامج اليومي في رياض الأطفال.

بناء على رؤية وزارة التعليم وإدارة رياض الأطفال الطموحة وحرصهم على تكوين جيل قارئ محب للقراءة فهي تؤمن أن الأطفال هم نصف الحاضر وكل المستقبل، فللقراءة الجهرية أهمية بالغة في صقل شخصية الأطفال وإبرازها للمجتمع حيث إنها تتميز بمميزات في العديد من الجوانب، فعلى الجانب اللغوي، يكتسب الطفل عند ممارسة القراءة الجهرية إجادة النطق لديه وتمثيل المعاني والطلاقة في التعبير وإثراء قاموسه اللغوي وارتقاء ذوقه الأدبي.

وفي الجانب الاجتماعي، تعد القراءة الجهرية للطفل للحياة فتدربه على الحوار مع الآخرين ومواجهة الجمهور والمشاركة في المواقف الاجتماعية وتنمي الثقة لديه وتزيل صفة التردد عنه.

أما على الجانب النفسي، يشعر الطفل القارئ بالاستحسان من الآخرين ويحصل على المديح والثناء؛ فيساعده ذلك على تحقيق ذاته فيشعر بالثقة ويتخلص من آفات الخوف والخجل.

وأما من ناحية الجانب التربوي، تساعد القراءة الجهرية الأطفال على تبادل المعارف والمعلومات وتطوير مهارات النطق والاستماع وتمثيل المعاني لديهم وبذلك هي وسيلة المعلمين لتشخيص مواضع الضعف لدى الطلاب والعمل على علاجها وتحسينها بأفضل الطرق الممكنة.

ولا يخفى عليكم أن مرحلة رياض الأطفال هي مرحلة تقليد ومحاكاة سينشأ الطفل على حب القراءة عند وجود قدوة له كي يقلده ويبدأ في التعامل مع الكتاب.

أجرى الأخصائيون النفسيون بجامعة كندا، دراسات عميقة حول تأثير القراءة الجهرية على الذاكرة. وأثبتت نتائج دراساتهم أن المشاركين كانوا دائما أكثر قدرة على استرجاع المفردات والنصوص التي يقرؤونها بصوت مرتفع.

وقد كان تأثير القراءة الجهرية على الذاكرة ملحوظا بشدة لدى الأطفال، رغم أنه مفيد أيضا للبالغين، وأكدوا على أن القراءة بصوت مرتفع مفيدة لجميع الأعمار.

على المربي الحرص ألا تكون القراءة الجهرية مملة لأطفالنا؛ حيث أثبتت الدراسات أن القراءة بإثارة الحوافز والدوافع أسلوب رائع في التعليم، حيث إن المثير الممتع وسيلة رائعة من وسائل التعليم؛ فالإنسان بطبيعته يجد نفسه مدفوعا لممارسة الأشياء التي توفر له المتعة، يؤكد ذلك قول الإمام الغزالي (لا ترهقوا الطفل بالتعليم وحببوه إليه باللعب).

لتحقيق رسالة التعليم الهادف الواعي لابد من دعم القراءة الجهرية بأنشطة تفاعلية واستراتيجيات تعلم نشط لتأطير الطفل بما يتناسب وقدراته وخصائص نموه ولتكون فترة القراءة الجهرية فترة ممتعة لنكون في الغد أمام قارئ نهم منفتح للعالم من حوله، متقن لاستعمال لغتهم العربية وتذوق جمالها وإبداعاتها.