عبدالله علي بانخر

هيئة تنظيم الإعلام السعودي والآمال المنشودة

الاحد - 31 ديسمبر 2023

Sun - 31 Dec 2023

أعلنت هيئة تنظيم الإعلام السعودي قبل أيام هويتها البصرية الجديدة مشكورة وموفقة، وكانت قبل عدة أشهر قد أعلنت تأسيسها لجمع شتات أنظمة الإعلام المعمول به في المملكة العربية السعودية في نظام موحد وعصري يواكب مطالبات العصر والانطلاق به إلى آفاق غير مسبوقة للإعلام السعودي على وجه الخصوص.

واستبشر الجميع خيرا في ظل قيادة حكيمة من سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله- وفي ظل إدارة رشيدة بقيادة سيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء المفدى ضمن رؤية السعودية 2030م، الرؤية الوثابة لكل الخير بإذن الله ليس للمملكة فحسب بل للعالم أجمع.

وضع الإعلام في السعودية ليس بالأمر السهل أو اليسير ولا يخفى على الكثيرين مدى تحدياته، بين وثبات سريعة متتالية وقفزات نوعية متميزة حققتها استثمارات ومؤسسات إعلامية سعودية على كافة المستويات والأصعدة محليا وإقليميا ودوليا، وهذا أمر بكل تأكيد مشهود له ولكل مخلص ومحب للمملكة ولكل ذي قلب وعقل سليمين.

على الرغم من القفزات النوعية الهائلة للإعلام السعودي في الداخل والخارج في السنوات السابقة إلا أن المراحل الحالية والقادمة تتطلب المزيد من المواكبة السريعة والجهد الأكبر في مجابهة التحديات الإعلامية العالمية والإقليمية والمحلية، وأذكر هناك وجود 5 أنظمة على الأقل تسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في تنظيم النشاط الإعلامي في السعودية في الوقت السابق والحاضر، وأذكر منها على سبيل المثال لا الحصر نظام الطباعة النشر الصحفي ونظام المؤسسات الصحفية ونظام الإعلام المرئي والمسموع ونظام الاستثمار في مجالات الإعلام واقتصاديات وسائل الإعلام ونظام الإعلان التجاري في التليفزيون السعودي، وربما توجد غيرها من الأنظمة الأخرى أيضا علاوة على نظام المناقصات العامة والمنافسات الحكومية على إنتاج وبيع وتوزيع وشراء المحتوى الإعلامي بشتى أشكاله وأنواعه، بعض هذه الأنظمة يعود إلى ثلاثينيات أو أربعينيات القرن الماضي وبعضها مستحدث أو حديث إصدار في الفترات الأخيرة.

هناك العديد من أدبيات أنظمة الإعلام المعمول به في السعودية، تضم هذه الأدبيات العديد من المؤلفات والكتب والمقالات حول هذه الأنظمة لعديد من المتخصصين السعوديين في مجال الاتصال وفنونه والأنظمة الإعلامية مثل الأستاذ الدكتور مبارك الحازمي والدكتور علي القرني يرحمه الله والدكتور عادل مكينزي والدكتور بندر الجعيد وأكيد هناك غيرهم كثر.. وعلى الرغم من التطور التقني في مجال الاتصالات عموما خاصة فيما يتعلق بالبنية التحتية والرقمنة مما جعل المملكة تتصدر مواقع متقدمة للغاية على مستوى العالم إلا أن المحتوى في حد ذاته وهو ما تتولى مسؤوليته وزارة الإعلام لا يزال في بعض جوانبه دون ذلك التطور الحديث، علاوة على أن التصدي بقوة للهجمات الشرسة والغايات المحمومة للنيل من المملكة في كل أزمة واقعة أو مشكلة مفتعلة أو حقيقية يظل دون تطلعات القيادة السعودية، وللأسف الشديد القاعدة الفزيائية المعروفة تؤكد على أن كل فراغ يجب أن يملأ.. ولكن المشكلة الأزلية تكمن بملء هذا الفراغ أو هذا الوعاء أو هذه الوسيلة أو الوسيط أو المنصة يعد حقلا من حقول ألغام لا يطؤها إلا سالك ولا يعاني منها إلا هالك، والأمل معقود بالطبع على الإعلاميين السعوديين مع زملائهم العرب والمهنيين المحترفين وفي جميع التخصصات للملء الحصيف والصائب والآني لتحقيق التطلعات المنشودة وبما يحقق رؤي وقدرات وإمكانيات مملكتنا الحبيبة الغالية.

قد يتساءل البعض حول إمكانية تطوير المؤسسات الإعلامية الحالية والتي أدت أدوارا مميزة منذ تأسيس المملكة والسعي للحفاظ على إرثها المتحقق ومكتسباتها المنجزة طوال السنوات الماضية مع إتاحة التحديث المنشود والتطوير المطلوب، وهناك 3 مدارس فكرية أساسية ما بين إصلاح ما هو موجود أو كائن وهو ربما الأصعب والأكثر جهدا ووقتا ومالا.. وبين استحداث كيانات جديدة حديثة الأساليب والتقنيات وربما هذا الأيسر أو الأقل جهدا ووقتا ومالا.. وربما من الأمثل والأنجح والأنجع هو الجمع بين الأسلوبين السابقين في منظومة تحتوي مرتكزات ومكتسبات الماضي الإيجابية فقط مع الانطلاق بتطورات حديثة نحو آفاق أرحب ومجالات أوسع وقدرات أكثر تأثيرا وأثرا.

تجدر الإشارة هنا إلى أن إصلاح شأن هذه المؤسسات الصحافية والإعلامية يتطلب النظر في أمور ثلاثة رئيسة: إما الاندماج أو الاستحواذ أو الإغلاق لا قدر الله، والأسلوبان الأوليان من دمج واستحواذ أشكال عديدة وأنواع مختلفة من الناحية الاستثمارية والاقتصادية والتجارية والفنية قد يطول شرحها بدقة شديدة في هذه العجالة؛ فهناك الدمج الكلي أو الجزئي لكيانات قائمة حاليا بالفعل أو تكوين كيانات جديدة تتكامل فيما تقدم من خدمات أو أدوار أو أنشطة يحتاجها الجمهور في الداخل والخارج، كما أن الاستحواذ بشكليه الأفقي الممتد بين أنشطة مختلفة والرأسي في فتح مجالات متعددة الوسائل لذات المحتوى والرسالة.

وتبقى كلمة السر أو ما يعرف بالخلطة السحرية أيضا في تكامل الخدمات المقدمة لهذه المؤسسات دون تعارض أو تداخل أو منافسة سلبية لا سمح الله، وقد كان هناك العديد من المحاولات الجادة للدمج أو الاستحواذ بين العديد من المؤسسات الصحفية والإعلامية الكبرى منذ أكثر من عقدين، فقد كانت تلك المحاولات لدمج واستحواذ عدد من كبريات المؤسسات الصحفية والإعلامية جادة ومتفردة.. إلا أن معظمها قد باء للأسف الأشد بالفشل ولم تتم نظرا لانشغال أغلب تلك المؤسسات بربحية وقتية آنذاك وبمفردها وبشكل لا يتسع معه حتى التفكير في التوسع أو الانتشار أو التكامل أو ربما التطوير.. ولعل الوضع الأمثل لهذه المؤسسات وإن تنوعت وسائلها هو الخروج من التحول بادئ ذي بدء من وسائل تقليدية إلى وسائل غير تقليدية رقمية والمزج بينهما وربما تحقق للكثير منها ذلك على المستوى الفردي المستقل.. إلا أن التنوع الرأسي والأفقي في أنواع الوسائل والوسائط يساعد بكل تأكيد في إيجاد كيانات أو باقات إعلامية متميزة ومتنوعة لخدمة الشأن العام ومسيرة الإعلام السعودي في القيام بمسؤولياته وعبر منظومة متكاملة تعتمد في الأساس على صناعة محتوى كنقطة ارتكاز ومن ثم يتميز وينشر ويبث عبر وسائل أو وسائط متنوعة تخدم اقتصاديا واستثماريا بشكل متكامل.

يكمن سر نجاح واستمرارية واستدامة بعض هذه المؤسسات بشكل مؤثر إلى وقتنا الحاضر ولا يحدونا الأمل في المزيد من تلك النجاحات في الحاضر والمستقبل وعلى الدوام.. ببساطة شديدة أن تحظى المؤسسة الصحفية أو الإعلامية على وسائل متعددة لمحتوى مصنوع باحترافية ومهنية بعد تقييم عادل وواقعي، ولا يتحقق ذلك إلا بتمتع المؤسسة الإعلامية والصحفية على مركز لصناعة المحتوى موحد يعتمد على أذرع صحفية مطبوعة ورقية ورقمية من صحف (جرائد ومجلات) وقنوات إذاعية بالراديو والتليفزيون في آن واحد.. علاوة على وسائل أخرى رديفة ومكملة ومتنوعة من وسائل إعلانية خارجية وداخلية وربما سينما أو منصات الكترونية للعرض الجماهيري الجماعي.

تكاملية هذه الوسائل والوسائط والأذرع ترفع في كفاءة وقيمة وموارد تلك المؤسسات الإعلامية والصحفية.. والآمال معقودة على عاتق هيئة تنظيم الإعلام السعودي في تحقيق ذلك كله في القريب والقريب العاجل بإذن الله.. وهي مهام ليست بالسهلة ولكنها أيضا ليست مستحيلة.

aabankhar@