بمجرد النظر في علاقة الإنسان السعودي والإبل؛ تتجلى الأبجدية المؤنسنة والمتوارثة التي يتحدثونمن خلالها، ولا يقف الأمر عند هذا الحد؛ إذ يبدون عاطفة جياشة لبعضهم، فإذا أقبل راعيها جاءت مرحبة به، وإن حلّ قدر الله وخمدت أنفاسه اكتأبت وترقرقت عبراتها، وحاله وحالها سيان.. ضاربينأجمل المعاني النبيلة.
وبسبب دورها المحوري على مدى قرون؛ تُعتبر الإبل أيقونة في الهوية الثقافية السعودية، وبدوره يُكنّالمجتمع تقديراً كبيراً لها نظيرَ إسهاماتها في الحياة اليومية بالجزيرة العربية منذ فجر التاريخ إلى هذه اللحظة، مما شجع وزارة الثقافة على تسمية عام2024م بـ "عام الإبل"، تثميناً لحظوتها التاريخية والثقافية.
وساعدت الإبل واقع الإنسان في نواحٍ ثقافية وتجارية وغذائية، واتصلت بها اتصالاً وثيقاً، فنجد أن الإبل مؤشر لمهابة القبيلة وقوتها، ودليل على المستوى الاجتماعي، وتذكر مراجع التاريخ أن عدد إبل الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف وصلت إلى ما يقارب السبع مئة، وقد تكون الإبل مهراً مثل ما طلب والد عبلة من عنترة كي يزوجه إياها، وحيناً تكون دية القتل غير العمد.
ولمكان شبه الجزيرة المميز المرتكز في وسط العالم القديم، وتموقعها بين الحضارات، وتموضعها فيقلب العالم العربي؛ تنشطت في أعقاب ذلك الرحلات التجارية المعتمدة على قوافل الإبل، وتصل القافلةفي بعض المرات إلى ألفين وخمس مئة بعير.
وحملت الإبل البضائع والسلع وشقت أصعب الطرقوفي أعقد الظروف متجشّمة عناء المسافات الطويلة،وتسير دون ملل ولا كلل خمسين كيلاً لا تتوقف خلالها، متحملة العطش في الصيف أسبوعين، وفي الشتاء شهرين إلى أربعة أشهر، كما يرافق القافلة جمّالون يناط بهم إطعامها والغناء لها وتقييدها عند المراح.
واعتُبرت قيمتها العالية فرصة للإهداء تَحفّز على أثرها الخلفاء والملوك لتقديمها للآخرين، حتى أن الخليفة عبد الملك بن مروان أعطى الشاعر جرير ثمانية رعاة يعتنون بإبله، ومن جانب آخر؛ حضرت في الأدب العربي وتوهجت في الأدب السعودي، حيث قال عنها الشاعر الشهير خلف بن هذال:
البل لها في مهجة القلب منزال
منايح القصّار سفن الصحاري
بينما تناول الشاعر الفرزدق تجواله معها، قائلاً:
رَمَتني بِالثَمانينَ اللَيالي
وَسَهمُ الدَهرِ أَصوَبُ سَهمِ رامي
وَغَيَّرَ لَونَ راحِلَتي وَلَوني
تَرَدِّيَّ الهَواجِرَ وَاِعتِمامي
وَإِقبالُ المَطِيَّةِ كُلَّ يَومٍ
مِنَ الجَوزاءِ مُلتَهِبِ الضِّرامِ
وأتت الإبل في أمثلة وحِكم العرب، مثل "لا ناقة لي فيها ولا جمل"، وكذلك: "جاءوا على بكرة أبيهم" و"ما هكذا تورد الإبل"، وهكذا لم تخل التجارب والتحديات التي واجهها المجتمع من معاضدة الإبل، منغمسة في حيواتهم التي كانت تمثل بطولاتها، إذ أنها رفيقة دروبهم، وأنيستهم في البراري القفار، وسفينتهم المستعصية على المستحيل، ليصفوها في قصائدهم، ويتطرقوا لها في أحاديثهم، ويهبوا لها الغالي والنفيس كما كان يفعل عمر بن أبي ربيعة حين يركب النجائب المخضوبة بالحناء وعليها القطوع والديباج.
الأكثر قراءة
الأحساء تعزز مكانتها كوجهة سياحية رئيسية بـ 5 مناطق مميزة
النصر عاد للواجهة والشباب بطلا لبراعم التايكوندو
شركة إيديكس تفوز بعقد تطوير البنية التحتية للمرحلة الأولى من المنطقة اللوجستية بميناء جدة من شركة DP World Logistics
شركة سامي نافانتيا تُطلق نظام حزم الجديد HAZEM Lite CMS
السعودية تخطو خطوات ثابتة نحو الاستدامة البيئية ومكافحة الانبعاثات الكربونية
زوار جناح "سكن" في معرض سيتي سكيب: ما رأيناه من أثر للعطاء يحفزنا على بذل المزيد وغير مسبوق