خضر عطاف المعيدي

الهندسة الاجتماعية وحماية الأفراد

السبت - 30 ديسمبر 2023

Sat - 30 Dec 2023

«الجهل وعدم اتزان العواطف يجعلان منك فريسة لقراصنة الفكر».
-خضر.

منذ فجر البشرية والإنسان في عراك دائم مع قوى خارجية كالجن والسحر وغيرها من الموجودات التي تقض عليه مضجعه.

ومع تقدم البشرية في العلم والمدنية ظهر أعداء جدد وفق أساليب حديثة سخرها البعض ليستمر في عمارة الأرض بينما سخرها آخرون لهدمها وفق مطامعهم.

فمن اليوم الذي ظهرت به الشبكة العنكبوتية لخدمة الإنسان وتذليل معوقات تقدمه، ظهر في الجانب المقابل عدو شبكي ينخر في خصوصيات مستخدمي الشبكات وهم قراصنة البيانات Data Hackers هدفهم اختراق حسابات المستخدمين البنكية والشخصية ومواقع المؤسسات وغير ذلك والهدف إمّا لجني المال بالدرجة الأولى أو الإفساد على الآخرين أو الانتقام أحيانا فذهب ضحية ذلك الكثير.

وفي عصرنا ومع بداية التسعينيات تحديدا ظهر صنف جديد من التحديات التي تجندت لمحاربة الإنسان ولكن وفق طرائق ليست بالجديدة ولكنها مدروسة وغير عشوائية ذهب ضحيتها الكثير من الناس وهي ما تسمى بـ Social Engineering «هندسة المجتمع» وهي هندسة بما تعنية لفظة هندسة وما غسيل الأدمغة: Brainwashing إلا أحد أساليبها في شل قدرة الفرد بالتفكير للتحكم بسلوكه لاحقا.

وقد تعددت أساليب «الهندسة الاجتماعية» وتفنن أصحابها في إخضاع التقنية ووسائل التواصل الاجتماعي كأدوات للبحث فيما يغري الإنسان ومن ثم تجنيده لحساب عصابات إجرامية تبحث عن المال وعن التخريب.

ويستعمل هؤلاء العصابات أدوات لغزو عقل الإنسان وشن غارات عليه بين الفينة والأخرى منها وأولها «اللغة» و«العاطفة» و«الحاجة» و«الهوية» «الألم» و«الأمل» و«الجنس» و«الدين» و«الشهرة» وغيرها من الفجوات النفسية والجسدية والتي تتغلغل من خلالها هذه العصابات للسيطرة التامة على الأفراد ومن ثم تسخيرهم وتوجيههم بشكل منظم نحو مجتمعاتهم وفق ما يسمى بـ «المواجهة» Counteract.

المتصفح لوسائل التواصل الاجتماعي يجد بعض الحسابات التي قد وضع أصحابها آيات قرآنية تدل على الورع والتقوى وشعار لوطن لا ينتمي إليه ولكن الغاية ليست حسنة كما يظن الأبرياء ولكن ليستغل الانتماء لذلك الوطن كي يبدأ في غرس بذور قرصنته وفق بث أفكار معينة هدفها دس السم في العسل.

فهم قراصنة تجدهم في التعليقات التي يتم سردها أسفل كل خبر في كل صحيفة أو منصة اجتماعية حيث يبدأ باستعمال لغة الدين كأداة لنفث سمه من خلال آيات وأحاديث صحيحة لوى عنقها كي تصب في هدف تشكيك الأفراد بوطنهم ودينهم وما سيؤول إليه الحال.

ومرتع هؤلاء القراصنة هو أي أمر يخص الترفيه أو تولي المرأة لمنصب قيادي أو أي خبر فيه نهضة حضارية فتجند هذه الحسابات المزيفة القوى للضرب على وتر الدين وعاطفة الحرص على الدار الآخرة، وهم والدين كراحة اليد وباطنها ولكن الهدف زعزعة البنيان وتجنيد الأبرياء من الجاهلين وممن لم يبلغوا الحلم.

ولعل أول ما قد أتحدث عنه في هذا المقال هي «اللغة» تلك الأداة الساحرة التي يسخرها «القرصان» كي يقوم بتفكيك البنى العقلية للمتلقي ومن ثم يعيد صياغة وسبك الفكر كما يريد وهو ما يسمى بـ«غسل الأدمغة». نعم فللغة قوة تفوق تلك التي تحدثها قنبلة نووية؛ لأن الأثر للغة يعيش من جيل لجيل. ومن أساليب هؤلاء القراصنة الذين سخروا «الهندسة الاجتماعية» لمآربهم اتخاذ عاطفة المتلقي كوقود يشعل لهب فكرهم فاللغة التي يستعملونها ذات تطريز صوتي رائع فهي تمتاز صوتيا بألفاظ رنانة ذات إيقاع ومقامات تدق على وتر القلب فتحرك العاطفة الجيّاشة لتسيل على إثرها الدموع وحينما تسيل الدموع فانتظر سيل الدماء لاحقا.

اللغة التي يستعملونها تزهد متلقيها في الدنيا وترغبه في الآخرة لأن صيغ النظم التي يستعملها مثل هؤلاء ليست على ما اعتادت عليه الأذن بل وفق ما يشل قدرة الفرد على التفكير لينصاع دون تردد وما الطلاسم التي يستعملها الساحر سوى لغة طمسها وغير معالمها لسحره.

والمتأمل أن التجنيد أصبح ليس وفق أشكال اعتاد عليها الأفراد ذات طابع معين كلحية وطيب وعودة وثوب قصير بل وفق جيل حديث يلبس بنطالا وله شعر بقصات تتناسب مع الجيل الذي يعيش من خلاله ولكن الخطاب الذي ينفثه مؤدلج يريد منه التلبيس على الغير وقوة هذا النوع من الجيل أن الأجيال تتقبل منهم كونهم على نفس الوتيرة الاجتماعية.

لعلنا في المقالات القادمة نتناول هذا الأمر بالتفصيل فكرة فكرة ولكن لابد من الإشارة هنا بأن مفهوم «الهندسة الاجتماعية» أمر في غاية الخطر ومن الملحات أن يدرس كمادة أساسية في جميع المراحل كي يتعرف الأفراد على الأساليب المتعددة لقراصنة الأرواح والأفكار، والفكر لا يمحى بالسيف وإنما بفكر مساو له في القوة نقيض له في الاتجاه.

حينما يتعرف الطالب في فترة مبكرة على الأساليب المتنوعة سيتعرف على عدوه ولو كان في ثياب صديق وكما يقول الإنجليزي: «شيطان تألفه خير من شيطان لا تألفه».