عبدالله الدوسري

الذئاب المنفردة: المفهوم والتحديات

الخميس - 28 ديسمبر 2023

Thu - 28 Dec 2023

تعتبر ظاهرة الذئاب المنفردة من الظواهر المؤثرة على الساحة الدولية، وتعود نشأتها إلى دعايات الفوضويين الإرهابيين في الدول الغربية بالقرن التاسع عشر حسبما يذكر د. خير سالم ذيابات في دراسته "البعد الدولي لظاهرة الذئاب المنفردة". وقد تعددت التعاريف التي تناولت ظاهرة الذئاب المنفردة، ومنها تعريف حمود الزيادي "الذئب المنفرد هو الشخص الذي تشرب أيدولوجيا متطرفة دون أن يكون لديه أية اتصال مباشر وتوجيهي مع الجماعة الإرهابية وبتمويل وتخطيط ذاتي ليخدم فلسفة التنظيم الإرهابية". ويمكننا إذن أن نستنتج ونعرف الذئب المنفرد بأنه: شخص تأثر فكريا بدعايات وأطروحات المنظمات الإرهابية وأعجب بهم، وأخذ على عاتقه التنظيم وتنفيذ رؤيته المتطرفة دون أن يرتبط معهم بشكل مباشر؛ فهو -أي الذئب المنفرد- استلهم الخطوط العريضة ومبادئ التنظيم الإرهابية من الدعايات التي تروج لها الجماعات الإرهابية المتطرفة وأخذ بتطبيقها على أرض الواقع.
من هنا، نعلم بأن الذئاب المنفردة لا تربطهم علاقة تنظيمية مباشرة مع الجماعات الإرهابية، إنما هم متأثر,ن بفعل دعاياتهم المضللة وأخذوا بتنفيذها؛ وفي الغالب تكون أهداف الذئاب المنفردة مهاجمة رجال الأمن والمقيمين الغربيين. لكن يبقى السؤال، ما الدافع لتنفيذ تلك الرؤى المتطرفة؟ يذكر رافيلو بانتوشي "أن الذئاب المنفردة قد تحمل دوافع شخصية وسياسية لتنفيذها هذه العمليات"، وكذلك يذكر روتغر بيتس "بأن الذئب المنفرد يحاول البحث عن إنجاز باسمه دعما لقضية ما".
إن البحث عن الإنجازات والدوافع الشخصية جميعها تنبثق بوجهة نظري من التأثر الفكري للطرح المتطرف، ولهذا يصبح الذئب المنفرد حينما تتمكن منه دعايات الإرهابيين وتتسرب إلى عقله ويكون أشبه بالمغيب ويصبح مرهونا لهذه الأطروحات المتطرفة ولا يستطيع أن يفكر خارج إطار هذا النهج الإرهابي المتطرف. في مقال سابق لي بعنوان "الدين أفيون الشعوب: نظرة جديدة!"، ذكرت كيف يصبح للدين تأثير سلبي على الأفراد؛ وهو بأن يقوم المتطرفون بتفسير النصوص الدينية بحسب أهوائهم ورؤاهم المتطرفة، وأن يرفعوا شعارات "نصرة الإسلام" ليستميلوا محدودي العلم والفكر لينفذوا الأعمال الإرهابية داخل أوطانهم؛ موظفين بذلك قضايا خارجية لتنفيذ تلك الأجندة الإرهابية الخبيثة.
الجماعات الإرهابية الإسلاموية والذئاب المنفردة:
يمكن القول بأن أسلوب "الذئاب المنفردة" قد برز وانتشر بشكل كبير لدى الجماعات الإرهابية الإسلاموية عقب أحداث 11 سبتمبر، فكان تنظيم القاعدة الإرهابي قبل ذلك التاريخ يتبنى تجنيد أفراده بشكل مباشر لتنفيذ أعماله الإرهابية، أي كان يتبنى أسلوب مركزية القرارات (كالقتل، والتفجير، والاختطاف...) بأمر من القيادة المركزية لتنظيم القاعدة الإرهابي على رأسهم الهالك أسامة بن لادن، وزعيم تنظيم القاعدة الإرهابي داخل المملكة عبدالعزيز المقرن ومن ثم يتم توجيه أتباعهم المجندين مسبقا لتنفيذها، هذا النهج الذي اتبعته القاعدة يتضح بشكل جلي في وثائقي (كيف واجهت السعودية القاعدة، قناة العربية). ويوضح آلية ونمط القرارات التي كانت تتبع أثناء فورة تنظيم القاعدة وآلية التجنيد وكيفية التأثير على أتباعهم.
ولكن، بعد أحداث 11 سبتمبر باتت هنالك ضغوط شديدة وتطويق تجاه تنظيم القاعدة الإرهابي لمحاربته والقضاء عليه، مما دفع "أبو مصعب السوري" نهاية عام 2004م بإصدار كتابه (دعوة المقاومة الإسلامية العالمية) الذي كان هدفه ترسيخ فكرة الذئاب المنفردة والجهاد المنفرد بأكبر قدر ممكن ليجد تنظيم القاعدة الإرهابي متنفسا في ظل المكافحة الدولية للإرهاب التي طالته من خلال الذئاب المنفردة.
ولم يمض وقت طويل حتى ظهر زعيم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" الإرهابي أبو بكر البغدادي وهو يحرض أتباعه على مهاجمة المواطنين بالمملكة العربية السعودية واستخدم لفظ "الذئاب المنفردة" وذلك بتصريح له بنوفمبر 2014م. وكذلك ظهر المتحدث الرسمي لتنظيم داعش أبو محمد العدناني في خطاب له يحث أتباع التنظيم على "شن هجمات ضد المصالح الغربية بأية وسيلة كانت". هذه الدعوات التي أطلقها البغدادي والعدناني لقيت آذانا صاغية وعقولا خاوية؛ فقد ألقت وزارة الداخلية السعودية في أبريل/2015م القبض على 93 شخصا يشكلون خلايا إرهابية متعددة ومن بينهم مواطن يعمل منفردا تأثر بتنظيم داعش الإرهابي وقام بصنع سلاحين ناريين وضبط بحوزته مواد متفجرة. وهناك عدد من الحوادث المشابهة التي أقدم الجناة بها على قتل أقربائهم ورجال الأمن تأثرا بأطروحات تنظيم داعش الإرهابي، كالتوأم "صالح وخالد" اللذين أقدما على طعن والدتهما مما أدى لوفاتها وطعن والدهما وشقيقهما بعدة طعنات وذلك في يونيو 2016م، وقيام شقيقين بحادثة أخرى بقتل ابن عمهما وذلك لأنه يعمل بالقطاع العسكري وأقدما كذلك على قتل 3 من رجال الأمن في عيد الأضحى عام 1436هـ؛ وقد صرحا في جلسات المحاكمة أنهما تأثرا بفكر تنظيم داعش الإرهابي، الذي كان يبث سمومه عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
التحديات حول الذئاب المنفردة
تتمثل التحديات والمخاطر التي نتعرض لها إزاء الذئاب المنفردة: أنهم لا تربطهم علاقة مباشرة مع التنظيمات الإرهابية بشكل مباشر بالتالي يصعب تتبعهم، سهولة تخفيهم، وحرية "الذئب المنفرد" في تحديد وقت ومكان العملية دون توجيه من التنظيم الإرهابي، وحريته كذلك في شكل وماهية الطريقة التي ينفذ بها عمليته الإرهابية. هذا عوضا على أن أكبر تحد وخطر نواجهه ونتعرض له هو تلويث عقول المراهقين والشباب بالغزو الفكري التكفيري، وتحميلهم قضايا عابرة للحدود لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وإدخال أفكار متطرفة في أذهانهم وتغذية التنطع والغلو في معتقداتهم وإبعادهم عن الوسطية الإسلامية المعتدلة مما يجعلهم يتصادمون مع المجتمع بهذه الرؤى المتطرفة، بل والأدهى من ذلك أنهم يقومون بتدمير وطنهم ويخونون الشعب والقيادة تلبية لأفكار هدامة؛ وقضايا ثانوية وتافهة لا تساوي مثقال ذرة! فالقضية الأولى التي يجب العمل لها وتطويرها وتنميتها هي (الوطن) الوطن فحسب ومن خلفه الطوفان، ويضرب بغير هذه القضية عرض الحائط مهما قام المؤدلجون والمتطرفون بالتغني على وتر (الإسلام) و(العروبة) متناسين في ذلك أم القضايا وكل القضايا (الوطن)، فأخذوا بحشد قصيري النظر ومحدودي الفهم والعلم إلى معاقل الصراع بالشرق والغرب فإما أن يقتلوا بساحات الحروب أو أن يعودوا إلى وطنهم وهم يحملون ذلك الفكر المتطرف ويسعون في خراب الوطن وإطلاق سيل جارف من التكفير والتحريض ضد الوطن ورجالاته والإرجاف ضد العلماء الوسطيين المعتدلين معتقدين في قرارة أنفسهم أن التشدد الديني والتنطع هي صورة الإسلام التي يجب أن تتبع وتطبق على سلوكيات المجتمع بل وأنظمة الدولة وسياساتها الداخلية والخارجية؛ كما حدث مع أتباع تنظيم القاعدة وداعش الإرهابي ومن تأثر بالفكر الصحوي، ومن يفعل ذلك بتبني قضايا وآراء على حساب دولته وشعبه وقيادته ويلحق بهم الضرر والأذى والتدمير فهو في نظري خائن مع سبق الإصرار!
أهم شيء نملكه اليوم هم الشباب فيجب تحصينهم فكريا بإنشاء برامج تحصين فكري تقي الأفراد من خطر هذه الجماعات الإرهابية وتبين تناقضاتهم ومقاصدهم المنحلة، وأن نعزز (القومية السعودية) لكيلا ينساقوا خلف قضايا ومشاكل لا تعود بالنفع لوطنهم ولا تنميه بل تضره وتهدمه، فالمتطرفين سعوا ولسنوات مضت لضرب هذه الدولة -أيدها الله- وشيطنتها وممارسة الإرجاف ضدها في كل قراراتها التي تعود بالنفع للوطن والمواطن؛ وهذه الممارسات المرجفة ضد الوطن والمواطن بدأت بالاضمحلال بصورة متسارعة منذ أن تولى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم وتولي سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- راية محاربة هذا الفكر المتطرف المتشدد الهدام للدولة والقضاء عليه، ولا ننسى هنا من ساهموا قبل ذلك في التصدي لهذه الحملات التي تضرب الدولة ورموزها من المؤدلجين والمتطرفين ومقارعتهم والسعي لتعرية ذلك الفكر المتطرف السقيم ودعاته؛ كصاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل ومعالي الدكتور غازي القصيبي ومناداتهم بإسلام وسطي معتدل منفتح على جميع الأطياف، وهذا ما نلمسه ونشاهده اليوم في ظل قيادتنا الرشيدة.