عبدالخالق المحمد

الاكتئاب سرطان الروح

الأربعاء - 27 ديسمبر 2023

Wed - 27 Dec 2023

تصنف منظمة الصحة العالمية الاكتئاب باعتباره واحدا من الأسباب الرئيسة المؤدية إلى الإعاقة في العالم. ويمكن أن يؤدي الاكتئاب في أسوأ حالاته إلى الانتحار.

وينتحر كل عام أكثر من 700 ألف شخص. والانتحار هو رابع سبب رئيس للوفاة عند الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة.

قد يكون الاكتئاب مرض العصر وسيحل بحسب الإحصاءات في المرتبة الأولى عالميا لأسباب الوفاة والإعاقة في السنوات القادمة.

فحين ينشب جنود الاكتئاب رماحهم في جسد الأمل ويردونه قتيلا وينزعون عنه تاجه ويكفنونه ويمشون في جنازته طربين ويجلسون على كرسيه المتربع في قمة الوجدان الإنساني. والمصاب مكتوف اليدين لا يملك سوى الإحساس بما يجري.

وبعد موت الأمل يبدأ الاكتئاب بتولي دفة قيادة النفس الإنسانية فيحرف نظرتها من الكفاءة الوجودية والتقدير الذاتي إلى حضيض اللوم ولا يتوقف ذلك على اللحظة التي سيطر فيها الاكتئاب على الوجدان الإنساني بعد خلع ملك الأمل ولا على مستقبلها بل إن الاكتئاب يحرف النظر عن طول فترة الإنسان التي عاشها سابقا، أيضا فإنه بعد قتل الملك -الأمل- يقوم بشيطنة فترة حكمه وملكه السابقة فتصبح النفس في حالة الاجترار اللائمي.

وفي الاكتئاب يغشى العقل الضباب، ويعتزل الأحباب ويقل الأصحاب، وتضطرب الشهية وتفقد الابتسامة الندية وتتعكر الأمزجة الصفية، وتعجز النفس عن البكاء وتظن أنه لا يستجاب لها دعاء فهي كأنماء تتنفس الداء لا الهواء. فيتخبط المصاب كالغريق وتصرخ نفسه صراخ من يريد النجاة من الحريق ويعجز عجز الهاوي في بئر سحيقة؛ فالذات محطمة والتفاؤلات معدمة والحياة سئمة.

ثم ينتقل إلى الدرك الأسفل من الاكتئاب وفيه تضل الألباب وتوصد كل الأبواب. فيرى الموت أعز مطلوب وأصدق محبوب ولا شيء سواه مرغوب، ويحسبه خير طريق، وأوفى صديق، وآخر ما للأمل من بريق، فيلطف الله بمن يشاء ويقبض روح من يشاء.

والاكتئاب عجز عن فهمه ووصفه الواصفون والأطباء المختصون والمجربون المعانون. حتى الموت عجز عن فهم الاكتئاب وكأني به يقول: كيف يهرب مني كل البشر والمخلوقات ويخافونني؛ بينما يبحث عني المكتئبون بأي طريقة، بل ويواجهونني بكل شجاعة وإصرار؟! بل إذا هربت منهم أعادوا المحاولة لمواجهتي ومطاردتي! بل إن الموت غدا يعتقد أن الاكتئاب أشد مرارة وألما منه؛ فكيف يراه الناس عدوا مرا وألما، ويراه المكتئبون سعادة وخلاصا؟!!

لو عاش البشر في قاع الاكتئاب لما فرحوا حين يموت ألد أعدائهم بل لتمنوا أن يخلدوا في الدرك الأسفل من الاكتئاب.

لو سألتني عزيزي القارئ عن معنى الاكتئاب لأجبتك بسؤال يدعوك للتفكر في معناه: هل تدرك معنى أن يعتقد الإنسان أن سعادته الأبدية وخلاصه من أشد البؤس والعذاب أن يفني نفسه؟ ما أبشعه من شعور حين يدرك الإنسان أنه سيقتل نفسه ولكن لا يدري متى؟

عزيزي القارئ: هل شعرت يوما أنك لا تنتمي للمكان الذي أنت فيه؟

إن كان الناس يعدون اليوم الجديد لهم في الحياة نعمة وهبة وفرحة فالمكتئب يراه نقمة وعذابا وزيادة في الألم، الوقت في الاكتئاب يمر ببطء شديد ويتوقف في محطات الذكريات المؤلمة والانكسارات الموجعة، كأنك تسير في قطار يدور بك في نفس المحطات التي هربت منها، فلا أنت تستطيع النزول لتلك المحطات ولا أنت تستطيع إيقاف القطار وأنت القائد وأنت كل الركاب.

في الاكتئاب تطفأ الأنوار لكيلا تهتدي الخروج من متاهة وجدت نفسك فيها وهي أشبه بحفرة عميقة فيها ممرات ضيقة تنزلق بك إلى ظلام أشد، ثم فجاءة تقرع أجراس الأرق وتشتعل نيران الذكريات فتحيط بك من كل مكان، ويخبو أملك في الخروج وتتعالى صرخات الاستنقاذ داخلك، حينها كما يقال: كم هو سيئ أن تكون قويا لدرجة أن لا أحد يظن أنك تحتاج لمساعدة.

ولكن هناك حلولا قد يستعين بها البشر في مواجهة هذا الطاعون الروحي يعد أبرزها طرق أبواب الطب والعلاج النفسي. وإني على يقين لو أصاب الاكتئاب الشمس لأطفأ نورها.