خالد العويجان

سراديب الموتى وجرذان الإخوان

الأربعاء - 27 ديسمبر 2023

Wed - 27 Dec 2023

العرقية من المؤثرات الشعبوية. والقبلية أيضا في المجتمعات التي تحكمها بعض قوانين القبيلة. والقبلية قد تكون وبالا على مجتمعها، كما يحدث في ليبيا.

والعقائدية كذلك. والطائفية والمذهبية شرسة؛ وربما تؤدي للتضحية بالنفس في منظور البعض. وتسطيح العقول أقسى من كل ما سبق. وبالمجمل جميع ذلك موجود في العالم العربي والمحيط القريب.

تجيد كثير من الجماعات فن التأثير في الجموع. وتملك أدوات تغييب الجماهير لقيادتها، وإقناعها بمشروعها الخاص، بصرف النظر عن شكله ولونه ورائحته. في الغالب ما يكون المحور الأساسي لها – أي لتلك الجماعات - محور الدين.

في العراق على سبيل المثال، تلعب بعض الجماعات الأيديولوجية «الشيعية» في أوراق من نار. وهذا نظير خلط مفهوم الطائفية المقيتة بالسياسة.

وقلت بعض لأستثني على الأقل، التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، الذي يتصف بالاتزان الموروث؛ هذا أولا. ثانيا؛ لامتلاك التيار صفات عروبية، تبعده عن العنتريات التي تسير في أزقتها الفصائل الأخرى، كالنعرة الفارسية على سبيل المثال. وبرغم أن التيار يملك جناحا عسكريا، إلا أنه مستبعد عن السياسة.

بالمناسبة وحتى لا أطيل في التفاصيل، الزعيم الشيعي عمار الحكيم، زعيم تيار الحكمة العراقي، كذلك. وهو سليل بيت عربي على كل حال، وهذا ما أبعده كالصدر، عن الخط الإيراني المذهبي.

ما أريد الدخول فيه هذا اليوم، هو طريقة التفكير التي انتهجتها جماعة الإخوان المسلمين «الإرهابية» منذ عقود. هي متطابقة إلى حد كبير مع الجماعات التي وصفتها بالمتطرفة في الجزء السابق. وهي كذلك بدون أدنى شك تتمتع بكثير من الذكاء، إنما ليس الفطري، بل الذي يقوم على استغباء الآخرين.

أتصور أن أوجه الشبه في عدد من مشاريع المنطقة – حتى وإن حاولت أن ترتدي ثيابا دولية – يمكن ملاحظتها، من خلال نظرة عميقة بعض الشيء. أقصد أن مشروع جماعة الإخوان يملك ذات المبادئ التي تقوم عليها؛ الثورة الخمينية، ومنهجية التوسع العثمانية، بالإضافة إلى تنظيم القاعدة، وداعش. كيف؟ أولا تطابقها مع الأول والثاني من ناحية فرض السيطرة وحكم العالم. ثانيا؛ امتلاك ذات الصفات التي يملكها الثالث والرابع – أي القاعدة وداعش»، من ناحية التطرف، والإرهاب، والفجور في الخصومة، واللعب على عواطف الجماهير بالتغرير وتزييف الحقائق.

والقضية ليست تجنيا على الجماعة، بل لأن لها في نظري ارتكازات، أساسها نبذ الآخر، والرغبة في تسيد المشهد. بمعنى أن جماعة الإخوان الموصوفة بالتطرف إنسانيا، ومصنفة إرهابيا على الصعيد الرسمي في عديد من الدول، لم تتشكل من ثلة وديعة بلا تاريخ، تدعو للحب والسلام، بل أثبتت رغبتها التاريخية، في زعزعة على الأقل، دول الخليج.
في حقيقة الأمر، من دفعني لكتابة هذا المقال اليوم، هو الكويتي حاكم المطيري - الذي ألقي القبض عليه في تركيا، التي تعتبرها الجماعة حامية حمى الأمة -، وفكرة تمسك جرذها، بآخر أوراق النضال، الذي يقوم على رغبة خلق الفوضى، بدليل أن ذلك القزم، كان ذو صولات وجولات، في تأليب الرأي العام في الخليج على الحكومات، رغبة منه باكتساب أكبر قدر من الشعبية، التي تعتمد كما قلت في بداية هذه السطور، على التأثير في نفوس الجماهير.

وأنا هنا لست محاميا عن الحكومات في الخليج – وهي ليست بحاجة لذلك -، إنما لنبش مآثر معتنقي فكر تلك الزمرة، المتمترسة وراء الدين، والهدف بنهاية المطاف، تخريبي بغلاف سياسي. وما حدث في الشقيقة مصر خلال السنوات الماضية ولا يزال، يؤكد الديدن الأسود لهؤلاء الشرذمة، ومن يتعاطف معهم، حتى لو بالقول دون العمل.

كنت على الدوام أعيش ريبة خاصة مع «إخوان الكويت»، لاعتبارهم أشد فتكا من غيرهم من الطبقات المتدنية، نظير افتقارها للتمويل. وباعتقادي أن إخوان الدول العربية هم أرذل الطبقات الموصوفة، وهذا يفرضه عامل التمويل، الذي في غالبة بل أكثره، يأتي من ذراع الإخوان الخليج، وفي الكويت على وجه الخصوص.

قرأت بعضا من ملخصات كتاب غوستاف لوبون «سيكولوجية الجماهير»؛ ووجدت الرجل قد لامس فكرة تلاشي شخصية الإنسان والفرد وإلغائه، على حساب، ما إذا كان واحدا من جماعة، أو جمهور، فذلك سيلغي بالدرجة الأولى عامل المنطق، والذكاء من تلك الشخصية. فتصور الفردية مقابل الجماعة الكبرى والعريضة، تلغي بنطاق واسع استقلالية الفرد التي اكتسبها من المجتمع أو حتى من التعليم. وهذا يفسح المجال لأن يكون منقادا وراء أفكار يمكن لها أن تنتهي بالتطرف والإرهاب؛ على أساس التضحية والفداء.

في تصوري أن لوبون، استطاع قراءة الخط المنهجي لأي تكتل، سواء كان عرقيا، أو إثنيا، وفتح الأبواب، لأن يتم إسقاط تلك الرؤية على جماعات الإسلام السياسي «السنية والشيعية»، على رغم أن فكرتي هذا النهار تتجه صوب جماعة الإخوان.

إن سجل الجماعة التي استغبت شعوب الأرض، وقام على قوائم الموتى من المغفلين، والأغبياء، بات مكشوفا أمام مجتمعات، انتقلت من حالة اللاوعي والتغييب الذي تم ممارسة بشعارات دينية على مدى عقود، إلى الحياة المطلقة، التي تستوجب تعمير الأرض بعقل الإنسان وحريته الفردية.

المهم أن عهود «الاستحمار»، ولت إلى غير رجعة. كما ذهب إلى سلال مهملات التاريخ، أرباب سراديب الموتى؛ من جرذان الإخوان. سحقا لهم.