عبدالله العولقي

الذكاء الاستراتيجي بوابة المستقبل

الثلاثاء - 26 ديسمبر 2023

Tue - 26 Dec 2023

الرهان اليوم على المستقبل، ولذا يحتد الصراع التنافسي بين الولايات المتحدة والصين حول قدرة المراكز البحثية على التنبؤ بتوجهات المستقبل، ففي العقود الأخيرة أصبحت عملية اتخاذ القرارات الاستراتيجية صعبة جدا كون البيانات الأولية باتت معقدة بصورة كبيرة نظرا لتشابك خيوط السياسة والاقتصاد والنفوذ وهكذا.

قبل عدة سنوات، كان الحديث الإعلامي في بريطانيا يدور حول ضرورة الخروج من الاتحاد الأوروبي والذي سمي حينها بالبريكست، وبعد مداولات طويلة قررت لندن أن تتخذ قرارها الاستراتيجي بمغادرة التكتل الأوروبي، وبعدها بدأت المصاعب الاقتصادية تضرب بريطانيا الواحدة تلو الأخرى، أدرك الإنجليز أخيرا أن القرار كان خاطئا بنسبة كبيرة، وهم اليوم يحاولون خطب ود الاتحاد الأوروبي من أجل إعادة عضويتهم السابقة!!

وهذه الأيام، يراقب العالم أحداث غزة بعين حصيفة، بدأت الحكاية بقرار حماس الخاطئ بمهاجمة إسرائيل والتي على إثره دمرت البنية التحتية لغزة بالكامل وراح ضحية هذا التهور الآلاف من الفلسطينيين، أيضا القرار الإسرائيلي العنجهي بردة الفعل العسكرية كان قرارا خاطئا أيضا، وهم اليوم متورطون في عمق غزة بصورة كبيرة جدا، فقد كان القرار ينص على تفريغ سكان غزة من أرضهم بحجة الوعد الإلهي بالأرض وهم اليوم يدفعون فاتورة باهظة الثمن من أجل تحقيق نبوءة تلك الهرطقة اللاهوتية!!

القرارات الاستراتيجية يجب أن تتأسس على دراسات تنبوئية علمية ومراجعة بعناية فائقة؛ لأنها تتعلق بالمستقبل، لا أن تتحول إلى تنفيذ أجندة خارجية أو متعلقة بوهم كهنوتي ماضوي كما نرى في أحداث غزة اليوم، فالدول الكبرى اليوم تدرك تماما أن الخطأ اليسير في معادلة التنبؤ المستقبلي ورسم خطتها الاستراتيجية طويلة الأجل قد يكلفها الخروج من ميدان اللاعبين الكبار، وهذا قد يفسر الميزانيات الضخمة التي ترصدها الولايات المتحدة وكذلك الصين في مجال التكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي تحديدا، فبعد أن رصدت بكين ما يقارب 150 مليار دولار في مجال البحوث العلمية والاستثمار في مجال التقنية قررت واشنطن تخصيص 170 مليار دولار لمواجهة بكين في هذا المجال الحيوي.

الصراع الحقيقي بين العملاقين الكبيرين يدور أيضا حول موضوع صناعة أشباه الموصلات أو ما يسميه البعض بالنفط الجديد، وإشكالية جزيرة تايوان العالقة بين الطرفين تدور حول هذا الصناعة تحديدا، وتأتي أهمية أشباه الموصلات كونها المادة الأساسية التي تدخل في صناعة السفن والطائرات والسيارات والهواتف والصواريخ والأقمار الصناعية وكذلك الأجهزة المنزلية، فالتحكم بهذه الصناعة الحيوية يعني السيطرة على شرايين الاقتصاد العالمي.

من المستحيل التنبؤ بتفاصيل وحيثيات المستقبل بيد أن الدراسات العلمية التي تجريها مراكز الأبحاث المتخصصة في المعاهد والجامعات العالمية قد تعطي انطباعا معينا عن توجه الأسواق والاقتصاديات العالمية والتي على إثرها يتم تحديد السياسات الدولية، فمثلا تؤكد بعض هذه الدراسات أن من يمتلك ميزة الذكاء الاصطناعي سيقود العالم سياسيا واقتصاديا في المستقبل، وهذا يفسر الميزانيات الضخمة المخصصة لهذا المجال كما ذكرنا سابقا، ومن جهة أخرى هو يعكس واقع الدول تجاه نظرتهم الماضوية كحكومات الميليشيات على سبيل المثال، أو نظرتهم المستقبلية كما هو حال الدول المتقدمة والتي لديها نظرة للمستقبل من أجل تنمية أوطانها وشعوبها كما رأينا في تنافس الدول الكبرى.

في الختام، لنا في مستقبل الرؤية الوطنية 2030 ومشاريعها الاستراتيجية العملاقة والتي بدأت تؤتي ثمارها اليانعة مبكرا خير برهان على قوة الذكاء الاستراتيجي وأنه بالفعل بوابة المستقبل.

albakry1814@