علي المطوع

من هرمز إلى باب المندب

الاحد - 24 ديسمبر 2023

Sun - 24 Dec 2023

من جديد بؤرة توتر جديدة تطفو على سطح الخارطة العربية المتوترة دائما وأبدا، هذه المرة في البحر الأحمر وتحديدا في مضيق باب المندب الاستراتيجي، ذلك المعبر الذي يسيطر عليه الحوثيون، ومن خلال هذه السيطرة ظهرت بعض تجاوزاتهم على الملاحة الدولية في هذا البحر المهم للعالم وتجارته وخاصة للدول المطلة عليه.

تعودنا في المنطقة العربية والخليجية تحديدا أن التوتر في الممرات البحرية والمضائق يرتبط كثيرا بمضيق هرمز الحيوي، وخاصة عندما يرتفع مستوى التوتر الإعلامي والعسكري بين أمريكا وإيران على خلفية التهديدات الإيرانية الدائمة بتعطيل الملاحة فيه، إلا أن هذه التهديدات لم ترتق في يوم من الأيام لمستوى الإغلاق، وإن كانت وصلت إلى مستويات من القرصنة التي تمثلت في خطف بعض السفن ومن ثم الإفراج عنها في أوقات لاحقة، هذه الصورة من القلق انتقلت إلى مضيق باب المندب، والجديد فيها هو الحوثي الذي بدأ يتحدى العالم في خطوة تكشف فصلا جديدا من فصول التوتر في المنطقة العربية!

الغرب وبزعامة أمريكية يشكل تحالفا لحفظ أمن الملاحة في هذه المنطقة، جيوش جرارة وقطع بحرية تتحرك، وتصعيد غربي تجاه ميليشيات بسيطة، الجميع يعرف أبعاد أثرها وتأثيرها داخل اليمن وخارجه، وهنا يبرز السؤال؛ لماذا الأمريكان لم يسلكوا خيار الدبلوماسية للوصول إلى حل لهذا الإشكال؟

لماذا الغرب وفي مقدمتهم أمريكا قاموا بتشكيل تحالف هو بمثابة إعلان حرب على فصيل صغير لا يملك قراراته الاستراتيجية فضلا عن أن يملك قرار مواجهة مع العالم وعلى رأسه أمريكا؟

دعونا نعد إلى الوراء قليلا وتحديدا بعد أيام من السابع من أكتوبر، والذي برأت فيه الإدارة الأمريكية إيران من تبعات ذلك الهجوم المفاجئ، وفي الوقت ذاته نأي (حزب الله) بنفسه عن المواجهة وظل بعيدا بل حريصا على عدم الدخول في هذا الصراع الجديد في المنطقة، هذا الجزئية تحديدا تعكس مستوى من التفاهم سبق أو تلا عملية طوفان الأقصى بين الإدارة الأمريكية وإيران لمنع التصعيد وتوسيع دائرة الحرب، ولأن القرار الحوثي مرتبط بالسياسات الإيرانية فقد كان من الأولى -حكما ومنطقا- بالإدارة الأمريكية التواصل مع إيران لردع هذا الفصيل الصغير وإعادته إلى رشده وترشيد سلوكه، أسوة بالأحداث السابقة التي حصلت والتي ما زالت توابعها تجري على أرض غزة حتى الآن!

وإذا أخذنا الأحداث في سياقاتها التاريخية والسياسية سنجد أن الغرب يحاول تسخين المنطقة وفرض واقع جديد على دولها وشعوبها خاصة أن أهداف الربيع العربي ما زالت حاضرة في مخيال السياسي الغربي، والفوضى الخلاقة إن فشلت في تثوير الشارع وزيادة مستويات التوتر في المجتمعات العربية، فإن الحروب المحدودة وفي مفاصل مهمة من جغرافية المنطقة كالممرات المائية قادرة على صنع فوضى جديدة بل وسريعة تجعل المنطقة تغلي دائما وتشغل دولها عن متابعة خططها التنموية الطموحة التي أعلنتها صراحة لتكون الوجهة والواجهة لسياسات تلك الدول في المنطقة وخاصة الخليجية منها.

السعودية ومعها بعض الدول المؤثرة أخذت موقفا حازما حيال هذه التحالفات الجديدة، وهو النأي بالنفس عن الدخول في أي صراع عسكري مع أي جهة وهو قرار صائب وجريء كون الغرب لديه من الوسائل والطرق ما يجعله في غنى عن كل تلك الصراعات الدامية التي يمكن أن تنشب في المنطقة.

يعرف الغرب مدى تأثير الحوثيين في المنطقة ويعرف الأمريكيون أكثر من غيرهم محدودية قدرات هذا الفصيل في صناعة الأحداث، وتعلم دول المنطقة أن الغرب كان ومازال قادرا على تغيير بوصلة فهمه وتفاهماته لتتجه إلى إيران عندما يريد أن يصل إلى غاياته ومآربه بدون خسائر تذكر، والإيرانيون لديهم ملفهم النووي المعلق وربما يوضع على الطاولة من جديد، ليفتح في ظل التوتر القائم في البحر الأحمر ليستفيدوا من هذه المعطيات الجديدة
ويعيدوا إحياء هذا الاتفاق.

ويبقى في هذه المساحة سؤال أخير: هل أمن الملاحة الدولية في البحر الأحمر يستحق من وجهة النظر الغربية والأمريكية تحديدا أن يكون ثمنا مناسبا لإحياء ملف إيران النووي، وإن حدث ذلك فما علاقة كل ما يجري بمشروع الشرق الأوسط الجديد؟!

alaseery2@