زيد الفضيل

هل يجوز ذبحها؟

السبت - 23 ديسمبر 2023

Sat - 23 Dec 2023

شدني موافقة مجلس الوزراء السعودي برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - يحفظه الله - لأن يكون اسم العام القادم 2024م (عام الإبل)، وهي خطوة تجسد حقيقة الاهتمام بربط التكوين الثقافي المعاصر للإنسان السعودي بالميراث الإنساني الكبير الذي يشكل جزءا من تاريخ المملكة، واحتفاء بالقيمة الثقافية الفريدة التي تمثلها الإبل في حياة أبناء الجزيرة العربية، بغية تعزيز حضورها محليا ودوليا، باعتبارها موروثا ثقافيا أصيلا، ومكونا أساسيا في البناء الحضاري، ناهيك في أن الاحتفاء بها جاء متمما لهوية الشعر العربي الذي كان شعارا لهذا العام الفارط.

فالإبل هوية عربية خالصة، وهي سفينة الصحراء، وحجزت لذاتها مساحة واسعة في فضاء الشعر ووجدان الشعراء، الذين أبحروا في وصفها، وتفننوا في التغزل بها، في مظهر ليس له مثيل في ثقافات الشعوب، وما معلقة طرفة بن العبد إلا مثال لذلك وهو القائل في مطلعها:

لخولة أطلال ببرقة ثهمد
تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
وقوفا بها صحبي عليّ مطيهم
يقولون لا تهلك أسى وتجلد
إلى أن يقول واصفا ناقته التي ينفي بها الهم:

وإني لأُمضي الهم عند احتضارهِ
بعوجاء مرقال تروح وتغتدي
إذن هي الإبل التي عشقها العرب، وباتت رفيقهم في الحل والترحال، وجعلها الله من الأنعام التي فيها دفء ومنافع ومنها يأكلون، كما خصها بخصائص خلقية ووظيفية ليس في غيرها من الحيوانات، ومن ذلك قدرتها على أن تشرب مائة لتر من الماء مرة واحدة، وأن تشرب أي نوع من الماء حتى لو كان من مياه البحر، ويستطيع الجمل العربي أن ينقل أحمالا ثقيلة جدا دون أي كلل، ولعدة أيام دون أن يشرب قطرة ماء، إلى غير ذلك من الصفات الحيوية والوظيفية التي تميز بها، ولذلك جعله الله مضرب إعجاز في قوله تعالى: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت}.

حقا هي إعجاز في حقيقة خلقها، وهي إعجاز في سلوكها الحميمي مع صاحبها، كريمة في تعاملها معه، صبورة في سلوكها، لكنها تأنف الضيم وتنتصر لحالها، وما أشد عقابها إن عاقبت.

ومن عظمتها أن خصها الله بأحكام لم يخص بها غيرها، وجعلها محط حياة ونجاة، ومحط عقاب وعذاب، فهي من افتدى بها عبدالمطلب ابنه عبدالله والد نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، وهي من جعلها الله سبب عقاب للعصاة من خلقه، في قوله تعالى:

{وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم}، وقوله {قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب عظيم}، لكنهم ما استجابوا وتكبروا {فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين * فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في ديارهم جاثمين}.

أخيرا، لست من قوم عاشت الإبل في كنفهم، وإن كنت ممن ألف رؤيتها واستشعر براحة في تأملها؛ على أن أول تأملي لها كان في الطائف قبل أربعة عقود تقريبا، وكنت في صغري أذهب مع والدي لزيارة شيخ وجيه يسكن في أطراف منطقة الحوية في الطريق الذاهب إلى الرياض، وهو الشيخ عبدالله السعدون، الذي كان يستقبل ضيوفه وقت العصر في خيمته العربية الزاهية ألوانها، والوثيرة فرشها، ثم يفتح العاملون لديه حوشا مجاورا له، فيه مجاميع إبل لم أر مثلها في سكونها وجمالها وتعدد ألوانها واختلاف أعمارها، فتأتي منقادة إليه بسكون، لتلامس وجهها بيده ودودة وادعة.

كان منظرا لم أنسه ولم يغب عن ذاكرتي كلما رأيت ناقة في هذا الوجود، ومن حينه أدركت حقيقة الاستفهام التدبري في قوله تعالى {كيف خلقت}، بل وأبحرت واسعا بيني وبين نفسي في مسألة جواز نحر الإبل بتلك الصورة التي تتم عليه، فهل يستحق هذا المخلوق المعجز أن يُنحر بهذه الصورة؟

سؤال أرجو أن يتبحر في مضامينه الفقهاء بمجمع الفقه الإسلامي، وأن يغوصوا بدقة في موضوع جواز ذبح الإبل، وهو الذي اختلف في طهارة لحمه، وهل ينقض الوضوء أو لا؟ وفي تصوري فإن مخلوقا جعله الله معجزا، وجعل منه سببا لعقاب فاسدين، وذكره نبينا بخير في عديد من الروايات الحديثية، يستحق أن يفرد له مجمع الفقه الإسلامي وقتا واسعا لتحرير أمره بشكل حاسم.

zash113@