ماجد بن نويصر

إسرائيل، الولاية الأمريكية الحادية والخمسون

الأربعاء - 20 ديسمبر 2023

Wed - 20 Dec 2023


تعد العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل واحدة من أبرز ملامح السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط.

فقد كان هناك التزام ثابت من قبل الولايات المتحدة بالدفاع عن إسرائيل وتقديم الدعم العسكري والاقتصادي لها منذ نشأتها كدولة في عام 1948م.

توج هذا الدعم بأكثر من أربعين فيتو في مجلس الأمن كلها كانت مقررة ضد إسرائيل.

فما الذي تجنيه الولايات المتحدة من احتضان دولة صغيرة وبعيدة وفي منطقة ملتهبة ولا تشاركها المعتقد الديني؟
يعود هذا الالتزام إلى نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث كان الرئيس هاري ترومان أول رئيس دولة يعترف بإسرائيل.

حول هذه القضية، قرر ترومان الاعتراف بإسرائيل كدولة مستقلة في عام 1948م بعد ساعات قليلة من إعلان إسرائيل استقلالها.

كما أنه أعطى الدعم الأمريكي لخطة الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين. أي أنه لا علاقة له بوعد بلفور بل جاء مكملا له.

على الرغم من الانقسامات داخل إدارته ومعارضة وزارة الخارجية الأمريكية لذلك بدأ ترومان يعطي إسرائيل الدعم الاقتصادي والعسكري عبر برنامج عسكري مشترك.

كان الاعتراف المبكر لترومان بدولة إسرائيل لحظة حاسمة، أسس قرار ترومان أساسا للعلاقة القوية بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

تأثر قرار ترومان بمجموعة من العوامل، بما في ذلك القلق الإنساني تجاه الشعب اليهودي بعد الهولوكوست، والحسابات السياسية، والمعتقدات الشخصية.

بعد ترومان، أيد كل رئيس أمريكي لاحق المساعدات العسكرية والاقتصادية لإسرائيل، معتبرا إياها حليفا حاسما في الشرق الأوسط.

وهذا يشمل التعاون الاستراتيجي ومبيعات الأسلحة.

بعد الحرب العالمية الثانية، تأسست العديد من المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة بهدف دعم إقامة دولة لليهود في فلسطين.

تأسست في عام 1951م منظمة «أيباك» (AIPAC) اللوبي الإسرائيلي الأمريكي العام بقيادة أبراهام فيبر، وهي تعتبر واحدة من أقوى اللوبيات في البلاد وتهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وإسرائيل من خلال التأثير على الكونغرس والإدارة الرئاسية.

حيث قام هذا اللوبي بممارسة ضغوط سياسية قوية على أعضاء الكونغرس الأمريكي لدعم القضايا الإسرائيلية، ما مكنه من التأثير في صناع القرار الأمريكيين.

على الرغم من تاريخ الصراع الديني بين اليهودية والمسيحية عبر التاريخ إلا أنه برزت في تلك الفترة حركة تعتبر أن عودة اليهود إلى الأراضي المقدسة هي جزء من النبوءات الكتابية، وتدعم بالتالي دولة إسرائيل، وهي الحركة المسيحية الصهيونية.

زاد هذا الدعم في العقود الأخيرة، وخاصة بين الأنجيليين والبروتستانت الأصوليين، يشمل هذا الدعم الدعاء لإسرائيل، الدعم المالي، والدعم السياسي القوي.

أسهم نمو الحركة المسيحية الصهيونية في أمريكا منذ ستينيات القرن الماضي في تعزيز التزامها بدعم إسرائيل، حيث تؤمن هذه الفئة بأن عودة اليهود لأرض إسرائيل هو شرط لعودة المسيح.

كما أن المسيحيين الإنجيليين، الذين يشكلون 25%من الأمريكيين، يدعمون إسرائيل بقوة بسبب تفسيرهم لنبوات الكتاب المقدس.

إنهم يتبرعون بمبالغ كبيرة ويصوتون بشكل أساسي بناء على سياسات المرشحين تجاه إسرائيل.

في السنوات التالية، بدأت الحركة المسيحية الصهيونية تلعب دورا هاما في تعزيز الدعم الأمريكي لإسرائيل.

تأسست منظمات مثل «التحالف الوطني للمسيحيين الصهاينة « و»المركز الكاثوليكي للدراسات والعمل»، والتي عملت على تعزيز الروابط بين الجالية المسيحية وإسرائيل.

ازدادت قوة هذه المنظمات بمرور الوقت وأصبحت لها تأثير قوي في صياغة السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل.

تحافظ الحركة المسيحية الصهيونية على تعاطف الرأي العام بقوة مع إسرائيل من خلال الكنائس الإنجيلية الكبيرة، وهذا يشكل ثقلا محليا موازنا لأي ضغط لصالح الفلسطينيين.

كما أسهمت الحركة المسيحية الصهيونية في الولايات المتحدة بقيادة جيري فالويل في ترسيخ موقف المسيحيين الأمريكيين الداعم لإسرائيل منذ تأسيسها.

وعلى مدى عقود عملت هذه الحركة على زرع مفهوم أن مصير إسرائيل مرتبط بالمسيحية.

في عهد الرئيس نيكسون، شهدت العلاقات الأمريكية الإسرائيلية تطورا كبيرا.

خلال حرب أكتوبر 1973م، قدمت الولايات المتحدة دعما ماديا هائلا لإسرائيل، وهو الأمر الذي أسهم في تغيير مجرى الحرب.

وفيما بعد، أصبحت الولايات المتحدة الراعي الرئيس لمحادثات السلام بين إسرائيل وجيرانها العرب.

كان دور نيكسون في حرب أكتوبر نقطة تحول هامة في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية.

قدمت الولايات المتحدة مساعدات كبيرة لإسرائيل خلال الحرب، وهذا علامة على بداية الولايات المتحدة كمورد رئيس للجيش الإسرائيلي.

أدت السياسة الخاصة بنيكسون، التي غالبا ما يشار إليها باسم «مذهب نيكسون»، إلى تغيير في السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وعزز الحلف الاستراتيجي بين البلدين.

شهدت فترة رئاسة نيكسون توسيع العلاقات الاستراتيجية مع تقديم المزيد من الدعم العسكري والاقتصادي لإسرائيل، في إطار سعيه لمواجهة الاتحاد السوفياتي في المنطقة.

قام كل رئيس منذ نيكسون بتعزيز «العلاقة الخاصة «من خلال توسيع المساعدات العسكرية لإسرائيل.

وتتلقى إسرائيل مساعدات أمريكية أكثر من أي دولة أخرى بقيمة تزيد على 3 مليارات دولار سنويا، وكلها تقريبا مخصصة للاستخدام العسكري.

ظل الدعم الأمريكي لإسرائيل نسبيا ثابتا على مر السنين، على الرغم من التقلبات في الرأي العام والخلافات حول سياسات محددة.

تواصل الولايات المتحدة تقديم مساعدة أجنبية كبيرة لإسرائيل، وتشارك البلدان في تبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون في مختلف المشاريع العسكرية والتكنولوجية.

ومع ذلك، فإن العلاقة تخضع أيضا للنقد والنقاش داخل الولايات المتحدة، حيث يطالب البعض بنهج أكثر توازنا بما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

على الرغم من التوترات العرضية، لم يكن أي رئيس أمريكي على استعداد للضغط بشكل جدي على إسرائيل بسبب الحساسيات السياسية الداخلية المتعلقة باللوبي الإسرائيلي والتصويت الإنجيلي.

وهذا يعطي إسرائيل حرية توسيع المستوطنات دون خوف من التوبيخ الأمريكي.

من الناحية الجيوسياسية، تخدم إسرائيل المصالح الأمريكية من خلال استضافة تدريبات عسكرية مشتركة، وتوفير المعلومات الاستخبارية حول عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، والحفاظ على التفوق العسكري النوعي على القوى الإقليمية مثل إيران.

لذا باختصار، فإن الضغط الداخلي القوي، جنبا إلى جنب مع المصالح الاستراتيجية والاقتصادية، قد أبقى الولايات المتحدة ملتزمة بشدة بأمن إسرائيل لأكثر من 70 عاما حتى الآن على الرغم من بعض التوترات. ولا تظهر هذه العلاقة الخاصة أي علامات ضعف.



MBNwaiser@