عبدالله علي بانخر

تحريك مياه وسائل الإعلام الراكدة

الأربعاء - 20 ديسمبر 2023

Wed - 20 Dec 2023


في خضم الحروب والأحداث والأزمات والمشاكل الدولية والإقليمية والمحلية يبرز دور وسائل الإعلام في تلبية احتياجات الجماهير بالأخبار السريعة والمعلومات الصحيحة والآراء السديدة، سواء كانت هذه الوسائل تقليدية أو غير تقليدية حيث يشتعل التنافس فيما بينها للوصول إلى أكبر قدر ممكن من الجمهور.

ومن هذا المنطلق أثار مقالي السابق حول الرابح في التغطية الإعلامية للحرب على غزة العديد من الشجون والشؤون فيما يتعلق بالمقارنة بين وسائل الإعلام التقليدية وغير التقليدية، ولعل ذلك الأمر أحد أبرز مقاصد كتابته أساسا.

لقد كان الحرص على استفزاز الواقع الأليم لوضع وسائل الإعلام بصفة عامة سواء التقليدي منها وغير التقليدي على كافة المستويات والأصعدة على رغم فداحة الأحداث وألم المشاهدة وسوء الأحوال عموما.

وبعد المقال استشرى الحديث عن وسائل الإعلام بين مؤيد لتلك ومعارض للأخرى، وتختلف المشارب والرؤى وتتعدد الآراء والأفكار رغم توحد الأهداف والغايات حول منظومة الإعلام بأكملها، والأمر برمته وبطبيعة الحال ليس هذا أو ذاك فحسب لا غير.. ولكن لكل نوع من هذه الوسائل.. له ما له وعليه ما عليه ولهما مجتمعة ما لها وعليها ما عليها، وتظل الوسيلة أو الوسيط ناقلا لمحتوى صحيح أو غير صحيح وفقا لنهج المسؤولين عنها ووفقا لرضا وآراء الجماهير في المتابعة والارتباط، وإذا كان كل وعاء أو وسيلة أو وسيط ينضح بما فيه أو ما لديه فإن الجمهور المتلقي هو الحكم والمتابع والمشاهد لهذه الوسائل، ولست مع تأييد أو تفضيل أو دعم نوع على حساب الآخر (تقليديا كان أو غير تقليدي) ولكن المتابعة والتجربة والتمحيص خير برهان بعيدا عن الارتياح الشخصي ولا أقول التحيز في أغلب أو بعض الأحيان.

بلغني بعد المقال العديد من الملاحظات القيمة والجديرة بالإشادة والإشارة، وأتعلم منها ما أمكن وأنشرها دائما بإذن الله، ومن أهم ما وردني في هذا الصدد كان من الدكتور سعود كاتب الزميل في التخصص والمهنة للعديد من السنوات ولله الحمد وهو من الأوائل المبشرين بما يحب أن يطلق عليه دائما «الإعلام الجديد».. وله العديد من الكتابات والمقالات والمقابلات التي تبشر بما أطلق عليه «الإعلام الجديد» منذ أكثر من 3 عقود، وقد اعترض على أن مصداقية الإعلام الجديد تعاني أكثر من مصداقية الإعلام التقليدي، وإن كنت لا أحبذ أصلا استخدام مصطلح «الإعلام الجديد» لأسباب عديدة؛ فالإعلام علم مستقل من فنون الاتصال المختلفة والمتعددة، وفن مستقل أيضا بأهدافه وبعناصره وعملياته وتأثيراته وآثارها المتحققة، وحديثي في المقال السابق ينصب على الوسائل التقليدية وغير التقليدية معا كأحد أهم عناصر الاتصال أصلا بكافة فنونه وعلومه المختلفة.

كما أكد زميلي الدكتور عاطف نصيف على أنه حتى مصداقية الوسائل التقليدية خصوصا التلفزيونية منها أيضا اهتزت خصوصا بالنسبة للعديد من القنوات الغربية الشهيرة مثل CNN و FOX وغيرها في أزمة غزة تحديدا، حيث سقطت كل الأقنعة المزيفة لدى أغلب الوسائل الغربية بشكل فج ووقح إلا من رحم ربي أحيانا، ويحسم الأستاذ الدكتور محمد الحيزان كالعادة بعلمية شديدة العمق في مقاله عن آثار التقنية والإنترنت تحديدا على تخصص الإعلام ككل وعلى كافة وسائل الإعلام المختلفة وتأثيرات الذكاء الاصطناعي غير المسبوقة.. ويبقى السؤال معلقا أو على من نعلق الجرس في التعامل مع ذلك الواقع: الوسائل التقليدية أم غير التقليدية؟!
تبقى الحقيقة رهينة للممارسة الفعلية لهذه الوسائل ضمن مؤسسة إعلامية حصيفة وصحفية رصينة تتحمل عبء هذه المسؤوليات والقيم المنشودة والمشهودة لها من صدق وأمانة ومسؤولية للكلمة وتحر للصحة والدقة والموثوقية للحقيقة، ويستدعي الأمر الضرورة على الحفاظ على المؤسسات الإعلامية والصحفية الكبرى في العالم وفي السعودية على وجه الخصوص التي تجاوزت معظمها النصف قرن أو يزيد منها من العمل بجد وجهد في خدمة الوطن والمواطن.

كتب العديد من أهل الفكر ورؤساء التحرير في هذا الأمر العديد من الدراسات والمقالات.. ولعل من أبرزها ما كتبه كل من الأستاذ خالد المالك والأستاذ موفق النويصر والأستاذ حسين شبكشي وغيرهم كثر.. حيث لامسوا تشخيص الحالة بدقة شديدة وقدموا العديد من الحلول والمقترحات، والأمل معقود على هيئة تنظيم الإعلام السعودي في حلحلة الكثير من الأمور النظامية والقانونية لهذه المؤسسات العريقة، ولعل النهضة غير المسبوقة في سن الأنظمة والقوانين في الفترة الأخيرة خير شاهد على ذلك.

في الختام، الحالة معروفة ومحددة والمقترحات والبدائل كلها مطروحة ومتوفرة أيضا، والأمر لا يقتصر فقط على الأمور النظامية والقوانين فقط ولكن هناك أمورا استثمارية واقتصادية وفنية وتقنية وأخرى عديدة يجب الاهتمام بها، وتبقى وسائل الإعلام التقليدي وغير التقليدي في حاجة مستمرة إلى تطوير مستدام يتماشى مع مكانة المملكة العربية السعودية على كافة المستويات والأصعدة.



aabankhar@