معنى قوله «أنتم»
الثلاثاء - 19 ديسمبر 2023
Tue - 19 Dec 2023
غالبا في أي جدال حول قضية ما أكثر قول يتكرر هو كلمة «أنتم» مع أن المخاطب فرد، لكن استعمال صيغة «أنتم» له دلالات هامة وجذرية تبين لماذا الجدال سيكون عقيما أي يكون مجرد «مراء» ليست له القابلية لأن يؤدي لأي نتائج إيجابية، بل عادة ما يستخرج الأسوأ من كل الأطراف ويؤدي للخصومة والعداوة؛ لذا رغب النبي في ترك المراء «أنا زعيم - ضامن - ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا» صحيح أبي داود؛ لأن كلمة «أنتم» تعني أن قائلها يرى محدثه على أنه جزء من جماعة تمثل نظرية مؤامرة ما معادية ومضادة لما هو متعصب له، وهو بذلك في ذهنه يخاطب الجماعة المتآمرة عندما يخاطب أي فرد ليس لديه ذات قناعته وعصبياته.
الأفضل ما إن يسمع أحد كلمة «أنتم» في الجدال أن يتوقف عن الجدل في الموضوع أو القضية ويتحول إلى تفكيك منطلقات محاوره ليجعله يعي أن منظوره بالأصل خاطئ وبنيت عليه بالتالي استنتاجات وقناعات خاطئة، وأنه لا يوجد «أنتم» أي لا توجد جماعة موحدة لديها أجندة سرية ومؤامرة معادية، فغالب الجدل عقيم لأنه ليس هناك وعي بالأصول التي يجب أن تكون مرعية في أي نقاش أو حوار يتضمن آراء مختلفة.
لذا ما يمكن أن يحول مسار أي جدل من العقم إلى الخصوبة الإيجابية التي تجعل أطرافها أفضل بدلا من أن تجعلهم أسوأ هو أن يتضمن أي جدل التوعية بالعيوب التي يتضمنها نمط مجادلة الآخر وليس فقط موضوع الجدل، فما يولد الخصومة ليس موضوع الجدل إنما نمط الجدل، ومع كون السائد عدم معرفة أصول الجدل الإيجابي فنمط الجدل السائد في مواقع التواصل الاجتماعي وفي المجالس وحتى في البرامج التلفزيونية هو أشبه بالمصارعة الكلامية، ولذا أحيانا تتطور إلى مصارعة مادية جسدية، ولا توجد أدنى فائدة من مطالعة ومتابعة أي جدل من نوع المصارعة الكلامية فهو لا يكون أبدا متعلقا بالموضوع الذي يتمم الجدل حوله إنما يكون إرادة نزعة غرور الأنا/الأيدولجى للطرفين لتحقيق الانتصار وهزيمة الطرف الآخر؛ ولذا تستخرج الأسوأ من الطرفين؛ لأنها أشبه بمصارعة جسدية لا قوانين ولا محددات لها تضمن ألا تتطور إلى الأسوأ وتؤدي لأذية أطرافها.
في الغرب هناك مقرر في المدارس والجامعات للجدل ونواد مدرسية وجامعية تتنافس في مسابقات محلية ووطنية للجدل ويكون دور المعلمين تقييم وتقويم العيوب التي يتضمنها نمط جدل الأطراف المتجادلة وهذا تدريب عملي لازم للجميع في عصرنا الحالي الذي يتعرض فيه الإنسان في كل لحظة لآراء مختلفة بشكل جذري ويشعر بالحاجة للجدل حولها، بينما في الماضي كان يمكن للإنسان أن يعيش قرنا من الزمان بدون أن يلقى شخصا واحدا لديه قناعات مختلفة عنه لمحدودية التنقل والتواصل مع العالم الخارجي ومصادر المعرفة والثقافة والخبرات.
كما أن للانفعالات الحادة التي يسببها الجدل العقيم آثار صحية سلبية وقد تكون خطيرة بالنسبة لمن يعانون من أمراض مزمنة مثل الضغط وأمراض القلب والشرايين وقد يجد الشخص نفسه يحمل وزر إصابة محاوره بأزمة صحية خطيرة أو حتى قاتلة بسبب نمط الجدل العقيم، هذا غير الآثار النفسية والسلوكية السلبية، بينما المثمر لا يحدث انفعالات حادة لدى الطرفين ويكون وديا، فالاختلاف بحد ذاته لا يؤدي بالضرورة إلى الخلاف أي الخصومة طالما تمت مراعاة أصول ومحددات وقواعد موضوعية للجدل حول الاختلاف، وهذا معنى المقولة الشهيرة «الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية».