بسمة السيوفي

الأكفاء لا يهبطون من السماء

الثلاثاء - 19 ديسمبر 2023

Tue - 19 Dec 2023


هل سبق أن ساقك قدرك إلى العمل مع مدير لا يفقه في الحياة الإدارية إلا النذر اليسير؟ هل سبق أن كانت لديك الصورة الذهنية عما تريد تحقيقه في مستقبلك المهني ووقف رئيسك معطلا أو متفرجا بلا تصفيق؟ نحن نتعرض في ميدان العمل لمختلف الأنواع من الشخصيات الإدارية: منها الطامح جدا ومنها الاجتماعي، الفضولي، والحساس لدرجة الجاذبية، ومنها النرجسي المتسلط الذي يعكس بتصرفاته اعتلالا في الشخصية.

بيئة العصر التنافسية تتطلب مهارات تتطور بشكل متجدد.

مهارات التواصل الفعالة مع القدرة على التفوق والقدرة على إدارة التغيير ببناء ثقافة منفتحة على الابتكار.

لقد كنت محظوظة في حياتي كوني قابلت بعض القيادات الرائعة خلال مسيرتي المهنية؛ لكن لمرة واحدة فقط كانت لدي مديرة سيئة، تحبط كثيرا، وتترصد للإنجاز، وتقزم أي عمل. كنت أضيع الكثير من الجهد في التفكير المحبط دون أن أخرج من دائرة السلبية، فضاع الكثير من التركيز في تطوير سياسات العمل، وأخرني ذلك على المستوى الشخصي في مرحلة الدكتوراه، لكني وجدت حيلة تمكني من التركيز على الأجدر، كنت كلما استهلكت وقتا للتفكير في سخافاتها أضع في درج المكتب 5 ريالات، وتراكمت الخمسات حتى تعبت، لكن تفكيري تضاءل فيها، وبدأت أحزن عليها بشكل أكثر، أنت في القطاع الحكومي لا يمكنك تغيير منصبك في التو واللحظة، بدأت بعدها أستغل الوقت في مجهودات مثمرة أكثر واستفدت من المبلغ الضخم الذي جمعته.

عندما يعترض رئيسك على أي فكرة جريئة تقولها بعد دراسة، دون أن يحسب المكاسب ويتحمل المخاطرة، فأنت أمام شخصية نمطية تفضل السير في الظل عن اختراق الغيوم، وحتى لو كانت الشخصيات جيدة في العمل على المستوى التخطيطي أو التنفيذي فإن ذلك لا يعني أنهم قادة جيدون.

ذاك النمطي الذي يتبع الأساليب التقليدية ويركز على السلطة والهيكلية في ظل عصر يتطلب التعامل مع مفاهيم جديدة للقيادة.

الشخصيات النمطية التي تتمتع بصلاحيات وسلطات إدارية هي أسوأ السيناريوهات الإدارية المحتملة للشركات والمنظمات؛ ففي دراسة حديثة مقارنة على مدار خمس سنوات قامت بها مؤسسة لين تايلور للاستشارات، وجد أن 69% من الموظفين المشتركين في الدراسة، موافقون على أن هناك شبها كبيرا بين الأطفال الحاصلين على سلطات واسعة والمديرين ذوي السلطات الواسعة.

التحولات المعاصرة وسعت مجتمعات العمل فأصبح تواصل فرق القيادة أفقيا عابرا للحدود ليحقق أهدافا إقليمية وعالمية في ظل تعزيز مفاهيم التنوع والاحترام لمختلف الثقافات والأفكار.

كما أن التطورات الإدارية والتكنولوجية تمكن القيادة الآن من الحصول على مقاييس فورية للأداء ومتابعة تنفيذ الاستراتيجيات بدقة، لتطوير القادة المستقبليين. إن الخصال التي تجعل القائد ناجحا هي الجرأة على التفكير والجرأة على العمل والجرأة على توقع الفشل.

القيادة الكفؤ لن تهبط من السماء بل تولد وتعزز وتراعى.. توفر لها الفرص أو تنتزعها نزعا من مدير يحسن التعطيل.

ولا شك أن هناك أنواعا مختلفة من المديرين السيئين، لكن على الموظف الذكي عاطفيا أن يجد أنسب طريقة للتعامل خاصة لو اعتبر المواقف فرصة للتعلم، ولو افترضنا أن مديرك لا يقدر أي شيء تفعله، ويجعلك تشعر بالتهميش يوميا.. عبر تصرفات غير ناضجة.. فما الذي يمكن عمله؟ بداية لا بد من التركيز على أداء العمل، وتقليص التعامل مع الإدارة إلى أقصى حد ممكن لتفادي أي اصطدامات، قد يفيد ذلك إن كانت الوظيفة تتطلب الحد الأدنى من التواصل. هذا لا يعني أن يتوافق الموظف مع رئيسه السيئ في كل شيء.. «لكن عليه أن يكون أكثر دبلوماسية، وقدرة على تقديم الاقتراحات، وتغليف النقد بطريقة مقبولة».

عند قيادة الآخرين، على القائد أن يعي أن ما يقوم به، وما يقوله، وكيفية قوله للأشياء، وكيفية تفاعله معها، كلها أمور يراقبها فريق العمل.. ولست أناقش هنا الجدل القائم دوما في أن القيادة موجودة عند بعض الناس بالفطرة، أو أنها تكتسب؟ لأنه سواء كانت القيادة بالفطرة أم كانت مكتسبة، فإن الصفة الأهم للقادة هي تأثيرهم الإيجابي على الآخرين وقدرتهم على تحفيزهم.

القيادة لا تتعلق بالكمال، بل تتعلق بالصدق في الممارسة، وهي ثقة الموظفين في أن قادتهم يتصرفون كذواتهم الحقيقية، فينعكس ذلك على الثقة في المنظمة بشكل أكبر، ويرتفع مستوى الأداء والجد بشكل أجدر، وتتخذ قرارات في العمل أكثر أخلاقية.

أما عن الاتجاهات المستقبلية في القيادة فتتطلب تطوير مهارات القيادة في الأزمات عبر الإدارة الفعالة للضغوط، واتخاذ القرارات الصعبة، وتعزيز الأعصاب الصلبة والهدوء، والقدرة على تحويل الصعوبات إلى فرص للتطور.

أؤمن كثيرا بأن أمانة قيادة الآخرين تستوجب تهيئة الصف الثاني.. وتتطلب مهارة اكتشاف القدرات الكامنة في فريق العمل ليساند ويبرز ويعزز التطور، القادة الأكثر فعالية يفوضون ويدعمون ويعترفون بأنهم لا يعرفون كل شيء، ويستفيدون من معرفة وخبرة الآخرين لإنجاز الأمور.

السماء لن تمطر قيادات أكفاء فجأة.. هم صنيعة جهد وصبر وإصرار.. هم نتاج أنفسهم ونتاج حرص من حولهم.. هم مجموعة مهارات نزيهة وواعية وشجاعة، هم ذلك الاحترام والتعاطف والامتنان مع كل من حولهم.

هم ممارسات المرونة وجمال التأثير، هم نتاج التواصل وخبرة التفويض. القيادة هي التأثير لا أكثر ولا أقل.



smileofswords@