مدن الورد السعودي!
الاثنين - 18 ديسمبر 2023
Mon - 18 Dec 2023
يكثر في أدبياتنا التباهي بالصحراء، فهي مكون كبير في طبيعة بلادنا، لكن هذه الصحراء أكبر من اختزالها في المعاني القاسية للصحراء، معاني الجدب والجفاء والجفاف وقسوة الطبيعة.
فصحراؤنا حنون حتى وإن بدت في بعض فصول السنة قاسية.
وهي جميلة، بل فاتنة في مواسم المطر والربيع، تكتسي حللها الخضراء على امتدادات شاسعة، وتكتسي بلون الخزامى البنفسجي أيضا.
ما لفت مسؤولو المراسم إلى استبدال السجادة الحمراء بلون الخزامى الفاتن، ولا يقتصر على الخزامى بل هناك عشرات الأنواع كالنفل والسكب والشيح، وغيرها.
نحن نتحدث عن صحرائنا كيفما شئنا، لأننا نعرفها ونحبها وتحبنا، لكننا في الوقت ذاته نعذل الجاهل بها، حين ينعتنا بالصحراء على سبيل التعريض، ونضحك من جهله كما نضحك من سذاجة ناعتينا بالخيمة والجمل على سبيل التعريض، والغمز بالبدائية.
فهم يجهلون تماما ما تعني لنا هذه الرموز الأصيلة، وما تمثله في ثقافتنا وأدبياتنا.
فانظر إلى السفير السعودي في لبنان الشقيق وهو يثبت اعتزازنا بهذه القيم، حين نصب خيمة سعودية في فناء السفارة يستقبل فيه زائريه.
وامتدادا لجهل أولئك ببلادنا العظيمة، وقع اختياري على منتج جميل، له شعريته عند جل الأمم، لا يختلف اثنان على حضوره المبهج وجماله الفاتن، وسحره الأخاذ.
إنه الورد بكل ما للورد من جماليات لا تخفى، وحضور يفوق كل حضور.
فعلاوة على خزامى نجد وأزهارها، لدينا الورد الطائفي، ونحن الآن في ديسمبر، وهو بداية توجه مزارعي الورد إلى مزارعهم للعناية بها وتهيئتها للموسم القادم، وسيكون مارس موعد جنى 550 مليون وردة من أنفس أنواع الورد في العالم، تنتجها أكثر من 1200 مزرعة، تبيع نتاجها إلى مصانع تقطير الورد، لاستخراج مركّز عطر الورد الطائفي الشهير، ثم الصناعات التحويلية اللاحقة الأخرى التي تستهدف مستحضرات مختلفة للبشرة والتجميل، وبعضها يدخل في صناعة الأطعمة والمشروبات، وفق تقديرات ونسب خاصة.
واتصالا بالورد، فإن مدينة تبوك في شمال غرب السعودية، تحوي مزارع عملاقة لإنتاج الورد بمختلف أشكاله وألوانه ومسمياته، مثل القرنفل والجوري (الروز)، والجيبسوفيلا، والليليوم (الزنبق أو النرجس) والكرنيشين وغيرها كثير، بكميات تزيد على 33 مليون وردة سنويا، تصدر إلى المدن السعودية ودول الخليج وأوروبا وغيرها من دول العالم، وقد بدأ إنتاج الورد في تبوك عام 1984م، وتعد مزرعة أسترا أقدم وأكبر المزارع المنتشرة هناك، ولعل من حسن حظي أنني أنتمي إلى المدينتين الورديتين، فكانت ولادتي وطفولتي المبكرة في منطقة تبوك، وقادني حظي البهي إلى التوطن الدائم في الطائف، وتستأثر الطائف باسم مدينة الورد، لأنها أقدم مدينة في زراعة وصناعة الورد.
فماذا إن حدثتكم عن الفصل الثالث من مدن الورد السعودية، فقد تتابعت ثلاث مدن على امتداد غرب السعودية، من الشمال الغربي تبوك، وفي منتصف المسافة الطائف، وفي الجنوب الغربي جازان، مدينة الفل الشهيرة، التي ينتشر فيها أكثر من 950 مزرعة تنتج حوالي 300 طن من الفل بأنواعه المختلفة، وأشهر محافظاتها الفُليّة محافظتي أبو عريش وصبيا، ومن أنواع الفل الشهيرة، الفل العزّاني (البرتقالي)، والفل العريشي (الأبيض) الكبير، والفل البلدي (مائل للاصفرار)، والفل الجازاني (الأبيض)، وتنتج من تلك الأنواع عطور ومخلطات عطرية فاخرة، وتُنظم عقود الفل بكيفيات ساحرة تتزين بها النساء، ويضعها الرجال على رؤوسهم، ويحتفى بالعروس بنظم عقود خاصة لمناسبات الأعراس.
وبعد، فالأمثلة الوردية السابقة تعبر عن جبال بلادنا وصحرائها وسهولها، فورد الطائف جود جبلي أثير، وورد تبوك جود صحراوي وثير، وفل جازان جود السهول الكثير، فكان لنا الحق في أدبياتنا أن نعتز بصحرائنا وجبالنا وسهولنا، وببداوة أجدادنا وأصالتنا، فإن ذلك يأتي وفاء وحبا، ونحن اليوم رغم تعلقنا بأصالتنا نعيش في وطن منحنا الخير والجمال، فبادلناه بها الحب والعطاء، نعتز بكل ذرة من ثراه، وبكل نسمة من هوائه، ونطاول به النجوم، ففوق ثراه الجمال والكرم، وتحت ترابه الخيرات والنعم، ونحن حامدون شاكرون لأنعم المنعم الكريم.
ahmad_helali@